شعر/ محمد خضر الشريف
______________________
ستون عاما قد مضت بحياتيه
فكأنهم في عدَ عمريٓ ثانيه
واها لذاك الطفل يصرخ في الفضا !
وقد استهلَ من الولادة باكيه
الأم تضحك والهناءُ دموعها
هذي العجيبة دمعها في ضحكيه
تلك الطفولة عشتها متدللا
العز أمي والشموخ أبي ليه
************
جاء الشباب بجده وجديده
قد عشتُ دهرا والأمان لباسيه
قالوا تغرب للدراسة وانتقي
حسن العلوم مع الآداب الساميه
واصبر على مضض الدروس وصعبها
لتعيش “ممدوحا” وذكرك عاليه (1)
وسمعت نصحهم وربي شاهدٌ
لم ألتفت إلا لدرسي حانيه
ظهري لربي راكعا أو ساجدا
والعلم أكرعه بنفس زاكيه
حتى إذا جبر الإله بخاطري
أزجيت شكري بالفعال العاليه
************
أتت الرجولة زهوها في عنفها
حمدا لربي صحةٌ في عافيه
حفظ الإله جوارحي في طاعة
يارب شكرا أنت أنت إلهيه
قالوا: تزوج يافتى بفتاتنا
بنت العمومة ليس بعدها ثانيه
ذهبٌ مصفَى أصلها وجمالها
تلك الخصال وتلك كنز غاليه
إياك تسعى باحثا عن زوجة
“خضراء دمن” في الدروب اللاهيه (2)
هذه فتاة الحي بنت أصولنا
ستعيش معها في الحياة الهانيه
وهي الودود والولود نجابةً
حسنات دنياك وأخرى باقيه (3)
************
وتسلسل الأبناء منها خمسة
ثنتان أنثى والثلاث رجاليه
عشت الطفولة بينهم في سنهم
إن جٓدَ جِدٌ أو تعابث لاهيه
يتعاركون وتارة في ضحكهم
يتقافزون على الأرائك خاليه
إن شاط أحدهم “المدورة” فجأة
ويل الزجاج وويل أم دولابيه (4)
كم من ذراع قد تجبَر كسرها
كم من رجول جبست برباطبه
كم من مريض أنَه قد أنَنا
كم من فطيم أوجعتنا بواكيه
كم من دروس قد شرحنا صعبها
حتى تخرج أهلها بنجاحيه
كم من عريس قد زففنا عرسه
أفراح خير بالهناء الغاليه
أبناؤهم أحفادنا بل ضينا
في لعبهم تحلو الحياة الزاهية
************
ثم انثنى ذاك الزمان موليا
دأب الحياة تدور مثل الساقيه
وتفرق الجمع الجميع بجمعهم
منهم تزوج والدراسة ساليه
شق الجميع طريقهم في دربهم
وبقيت وحدي و”الرؤوم” ظلاليه (5)
نتقاسم السعد الجميل ببيتنا
والهم نطرده بعين حاميه
حتى إذا شابت قرون رؤوسنا
والوهن دبَ والعظام الباديه
أدركت أن العمر مر بسرعة
عقد السنين أفرطته لياليه
************
ستون عاما واللهاث طريقنا
نحو المؤمل والحياة سرابيه
ستون عاما في دروبك دنيتي
دنيا غرور والزخارف لاهيه
كم من قريب مات فور شكاته
كم من صديق فاض مني أماميه
يارب أصلح ماتبقى بالتقى
من عمر عبدك قد دنت آجاليه
“عسَل” بفضلك ليله ونهاره
واختم بحسن الخير مني فعاليه (6)
هذا دعائي والإله سميعه
ماخاب ربي قط فيك رجائيه
(انتهت)
مساء الجمعة
————-معاني الكلمات——
(1) ممدوح اسمي الرديف واستخدمه الشاعر تورية به وكناية عن صفة المدح وتذكيرا بالاسم.
(2) “خضراء دِمن”إشارة إلى التحذير النبوي “إياكم وخضراء الدمن المرأة الحسناء في المنبت السوء”.
(3) الودود الولود إشارة للحديث النبوي؛ “تزوجوا الودود الولود فإني مباه بكم الأمم يوم القبامة”، وحسنات دنياك إشارة إلى أن الزوجة الصالحة هي حسنة الدنيا في قوله تعالى:{ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة }
(4) المدورة أي كرة القدم.
(5) الرؤوم صفة لموصوف محذوف أي زوجتي الرؤوم، اي الحنون العطوف.
(6) “عسَل” دعوة بالتوفيق لعمل صالح في أواخر العمر، وفي الحديث :”إذا أراد الله بعبد خيرا عسله، قالوا: وماعسله يارسول الله؟ قال: وفقه لعمل صالح قبل الموت”.