أعتقد بأن ما نعيشه في ظل هذه التقنية الإلكترونية والإنغلاق الذي تتجه له المجتمعات عن العالم الواقعي للعالم الإفتراضي هو لا يبشر بعلاقات مبهجة بين الأفراد مع الأخرين وهو برأي يزيد من عزلتنا إلى الأسوء فالواقع غير والإفتراض شيئ اخر فالواقع هو أن تعيش الحياة الفطرية التي إنفطرت عليها البشرية منذ الأزل وتختلط مع بعضها ومن خلالها تتكون العلاقات الإجتماعية والواقع هو المحك لهذه العلاقات لا ان تكون قابع خلف شاشة إلكترونية وفي غرفة مغلقة ومنغلق على ذاتك لا تسمع سوى صوت هواء جهاز التكييف فهذه مشكلة فكانت البشر إلى ما قبل هذه الثورة التقنية والفضاء الإلكتروني وخصوصا النخب الإجتماعية من مفكرين وأدباء وفقهاء كان البعض منهم يفضل العزلة في لحظات من حياته فهذا الأديب المصري توفيق الحكيم والذي إعتاد هو وأدباء ومفكرين النزول للشارع والإختلاط بكل طبقات المجتمع ويجتمعون ويلتقون ببعضهم بأشهر المقاهي في مصر فيقول عن هذا الإنغلاق الذاتي: “العزلة حاجة في نفسي مثلما الخبز والماء والهواء حاجة في جسدي.
ولا بد لي من ساعات أعتزل فيها الناس لأهضم ساعات صرفتها في مخالطتهم.” كذلك نجد في تاريخنا وتراثنا بأن هناك أئمة في علوم الدين من فقهاء ومحدثين تأتي عليهم أوقات يحتاجون فيها إلى العزلة أو ما إصطلح على تسميتها بالإعتكاف وخصوصا الزهاد فنجد العالم الإمام الفقيه ابن الجوزي والذي عاش حياته منذ صغره منعزلا عن من حوله حتى إن كثير قال عنه “بأنه لا يختلط مع الصبيان في حيهم” وابن الجوزي له مقولة بهذا الشأن وكان له شرط في ذلك بقولة: ” بأن العالم إذا إختار العزلة فيكون لها شرط ولكن لا يصح هذا إلا للعالم؛ فإنه إذا اعتزل الجاهلُ فاته العلمُ فتخبَّط” فهذه نماذج أوردناها عن العزلة والإنغلاق عن الناس وربما العلماء الربانيون لهم خصوصيتهم في ذلك.
ولكن هناك من يرى في الأخرين من النخب ونظرتهم لهم تختلف ويجعل من تصرفهم هذا فيه نظرة من الإرتياب من هذا السلوك الغير معتاد ولكن في ذلك الوقت نجد الفلاسفة والمفكرين يجدون لهم ما يبرر هذا التصرف من السلوك الذي يراه الغير غير سوي يقول الكاتب والأديب الروائي الإمريكي: “إبتعادنا عن البشر لا يعني كرهاً أو تغيراً العزلة وطن للأرواح المتعبة “بينما نجد هناك من له رأي مخالف لهذا التصرف فهذا الفيلسوف الألماني نيتشه يقول: “عدم المقدرة على تبادُل أفكاري مع الأخرين هي أسوأ وأفظع أنواع العزلة بالنسبة ليّ على الإطلاق إن الاختلاف عن الآخرين هو أقسى وأفظع من أي قناع حديدي يُمكن للفرد أن يُعزل بداخلة”و نختتم موضوعنا بهذه المقولة للأديب والكاتب البرتغالي خوسيه ساراماغو والتي يقول فيها: “يعاني الإنسان المعاصر من أمراض ثلاث : العزلة , الثورة التكنولوجية , وتمركز حياته حول الإنجاز الشخصي.”
للتواصل مع الكاتب mhmdsdlhrth@gmail.com