
من منا لا يعرف أبا العتاهية وهو جزء مهم من تاريخنا الأدبي بكل تقلبات مراحل حياته؛ من المجون واللهو إلى التنسك والوعظ في اخر حياته، مما انعكس هذا التقلب وأطواره على شعره، وعده مؤرخي الأدب العربي أنه من طبقة بشار بن برد وابو نواس، اغر مكثر سريع الخاطر، في شعره إبداع شاعر، وأبو العتاهية هي كنية غلبت على اسمه لما كان عليه من اللهو والمجون، وأخذ فترة من الزمن انقطع فيها عن الشعر بعد ان حبسه الخليفة المهدي بسبب جارية بقصر الخليفة.
ومما روي عنه: “جاء الرشيد طلب منه أن يعود فأبى، فحبسه حتى عاد إلى الشعر، ولزم الرشيد وقد مدح بعد الرشيد الأمين فالمأمون، ومات سنة 211، وكانت ولادته في عين التمر سنة 130 ” ومما ورد عن ابن كثير في كتابه “البداية والنهاية” عن قصة لأبي العتاهية مع الخليفة هارون الرشيد عن الفضيل قال : “استدعاني الرشيد يوما وقد زخرف منازله وأكثر الطعام والشراب واللذات فيها، ثم استدعى أبا العتاهية فقال له: صف لنا ما نحن فيه من العيش والنعم فقال :
عِشْ ما بَدَا لكَ سالماً،
في ظِلّ شاهقَة ِ القُصورِ
يسْعَى عليكَ بِمَا اشتهيْتَ—-
لدَى الرَّوَاح أوِ البُكُورِ
فإذا النّفوسُ تَقعَقَعَتْ—-
في ظلّ حَشرجَة ِ الصّدورِ
فَهُناكَ تَعلَم، مُوقِناً—-
مَا كُنْتَ إلاَّ فِي غُرُورِ
قال: فبكى الرشيد بكاء كثيرا شديدا فقال له الفضل بن يحيى: دعاك أمير المؤمنين تسره فأحزنته ؟ فقال له الرشيد: دعه فإنه رآنا في عمى فكره أن يزيدنا عمى.
ومن وجه آخر أن الرشيد قال لأبي العتاهية: عظني بأبيات من الشعر وأوجِزْ فقال وَأنْشد :
لَا تأمن الْمَوْت فِي طرْفٍ وَلَا نفَسِ
وَإِن تسـتـرت بالحُجَّاب والحرَسِ
وَاعْـلَـم بِأَنّ سِـهَـامَ الْـمَـوْتِ قـاصدةٌ
لــكــــلِّ مــدرَّع مــنّــا ومـتَّــرِسِ
مَا بَـالُ ديـنِـك تـرْضـى أَن تـدنّـسـه
وثوبُك الـدَّهْرَ مغسولٌ من الدّنَــسِ
تـرجـو الـنـجَـاة وَلم تسـلـك مسالكَها
إِنّ السَّفِـيـنَة لَا تجْـرِي عـلى اليبَسِ
قال: فخر الرشيد مغشيا عليه وقد حبس الرشيد مرة أبا العتاهية وأرصد عليه من يأتيه بما يقول، فكتب مرة على جدار الحبس:
أما والله إن الظلم شؤمٌ
وما زال المسئ هو الظلومُ
للتواصل مع الكاتب mhmdsdlhrth@gmail.com