
بقلم / جمال بنت عبد الله السعدي / المدينة المنورة
أتراكم تذكرون قصة القرد الذي أُستنجِد به لحل النزاع ما بين فأرين تنازعا على قطعة من الجبن قسمت بينهما واختلفا على حجم قسمة كل منهما عن الآخر .
وبشهامة القرد وعدله رأى أن يقضم قليلا من قطعة ذا النصيب الأكبر ليتساوى مع الآخر فرضيا بقسمته وعدله .
إلا أنه اقتسم أكثر مما يجب فمالت الكفة للفأر الآخر، فكان لا بد له من أن يقضم من نصيبه ليتساوى مع الأول.
وأيضا قضم قضمه أكبر مما يجب وعاد بالكرة على الأول ليقضم منها ما يوازي حجم قطعة الثاني وهكذا الى أن قضى الفأر على نصيبهما تماما فباتا صفر اليدين .
قصة درسناها في كتاب المطالعة في المرحلة الابتدائية من باب التعليم بالمطعم بالفكاهة ، وإيصال الحكمة بأسلوب شائق لأخذ العبرة والعظة .
ولو تأملنا قليلا في هذه القصة لوجدناها تنطبق على واقعنا الدولي بكل أسف ها نحن نستنجد بقرد لحمايتنا من عدوان أبناء ملتنا وجلدتنا، وتكالبت علينا الأمم بدعوى حسم النزاعات وحماية المصالح تارة ، وبحجة إقرار الأمن والاستقرار تحت غطاء من المساعدات الانسانية الزائفة ، والعدالة المتحيزة ، أو التعاون الحضاري ، فإذا بها تستنزف إمكانياتنا وثرواتنا المادية والبشرية و الحضارية وتبث سمومها وتزرع حقول ألغام في أراضينا وعلى طول حدودها .
لا أستطيع تخيل تلك المرحلة التي يمكن الوصول إليها – لا قدّر الله – حين نصحو على مزيد من تشتت وتمزق ،وضياع حقوق و ابتلاع أراض وخلق نزاعات ، وتغيير هوية وطمس ملامح تاريخ عريق ، والتشكيك بثوابت الأمة وقيمها و عناوينها الرئيسية.
الوطن ليس قطعة جبن ، وأرضنا وتاريخنا أكبر من أن يقضمها فأر مهما بلغ مكره ونهمه – لا الغرب يبغي عزنا كلا ولا الشرق جميعهم في البغض سواء ، يتحسسون طرقهم للنيل منا ، ويلوذون بالجحور تربصا لحين لدغنا بسمومهم ، ومصادرة حقنا بالعيش الكريم ،وتهديد أمننا المجتمعي والقيمي والغذائي والمائي ، بغية خلع عباءتنا وإلباسنا لباسهم ، و لساننا يتلوى بلسانهم ، وأفكارنا تغزوها أنماطهم في التفكير دون ضوابط ، و النيل من قيمنا وأخلاقنا فإذا بها تضعف وتبهت وروابطنا قد تمزقت إلا أن يدركنا الله برحمة منه.
وإن تأملنا نظرية التطور سنجد أن هذا القرد الذي كان بطل قصة كتاب المطالعة الابتدائية قد تضخم حتى بات اليوم كينغ كونغ مزودا بأحدث الأنظمة التكنولوجية، ولا يخضع ولا يركع إلا إلى مدللته الشقراء الساحرة الصغيرة .. يجثو على ركبته طالبا ودها مهما بلغ جورها وعدوانها، لا يملك حيالها شيئا، ولا تدمع عيناه إلا لأجل عينيها، بينما يعثو فسادا ودمارا في بقية الأرجاء.
وعلى الرغم من كل هذا وذاك ، لا يزال الأمل قائما بالله عز وجل، ثم بأبناء أمتنا لاستعادة قوتها و وحدتها ، لحسم المواقف التي تتطلب الحسم، و حزم الأمور التي تتطلب الحزم ، بحكمة و بعزة وإباء أمةٍ نشرت الحق والعدل و العلم و المعرفة في أنحاء المعمورة، وموقنة بالله العزيز القدير و بالاعتماد على شبابها ورجالها ونسائها مسلحة بإيمانها .. مسخرة قدراتها وامكانياتها لتعود عزيزة منيعة .
للتواصل مع الكاتبة
Jelsaadi58@gmail.com