الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذه شذرات من كتاب (آثار العلامة البشير الإبراهيمي) وهو مصلح مجدد جزائري، ونصح بقراءة تراثه وتراث علماء الجزائر – كابن باديس والخضر حسين والمبارك الميلي – شيخنا المفضال صالح العصيمي، حيث إنها في الذروة من البلاغة، والسمو من الأدب.
(الكتاب: ” آثَارُ الإِمَام مُحَمَّد البَشِير الإِبْرَاهِيمِي “- المؤلف: محمّد بن بشير بن عمر الإبراهيمي (ت ١٣٨٥هـ)، جمع وتقديم: نجله الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي- الناشر: دار الغرب الإسلامي، الطبعة: الأولى، ١٩٩٧، عدد الأجزاء: ٥).
وهذه بعض الشذرات من هذه الآثار:
١- ومن العجائب أن هذه الحضارة القائمة الآن تساندت في تكوينها وفي تلوينها عدة لغات مختلفة الأصول، ولم تستطع أن تقوم بها لغة واحدة على حين أن العربية قامت وحدها ببناء حضارة شامخة البنيان ولم تستعر من اللغات الأخرى إلا قليلًا من المفردات. ٣٧٤/١
٢- كيف يشقى المسلمون وعندهم القرآن الذي أسعد سلفهم؟ أم كيف يتفرّقون ويضلّون وعندهم الكتاب الذي جمع أوّلَهم على التقوى؟ فلو أنهم اتّبعوا القرآن وأقاموا القرآن لما سخر منهم الزمان، وأنزلهم منزلة الضّعة والهوان، ولكن الأولين آمنوا فأَمِنُوا واتبعوا فارتفعوا، ونحن … فها قد آمنّا إيمانًا معلولًا، واتّبعنا اتّباعًا مدخولًا، وكل يجني عواقب ما زرع. ٩/٢.
٣- “أيها العرب، إن قضية فلسطين محنةٌ امتحن الله بها ضمائركم وهممكم وأموالكم ووحدتكم، وليست فلسطين لعرب فلسطين وحدهم، وإنما هي للعرب كلهم، وليست تُنال بالشعريات والخطابيات، وإنما تنال بالتصميم والحزم والاتحاد والقوّة”.
“إن الصهيونية وأنصارها مصمّمون، فقابلوا التصميم بتصميم أقوى منه، وقابلوا الاتحاد باتحاد أمتن منه”.
“وكونوا حائطًا لا صَدْع فيه … وصفًا لا يرقع بالكسالى”. ١٠/٢.
٤- وإن البناء لا يعلو قويًّا صحيحًا متماسك الأجزاء متعاصيًا على الهزات والزلازل إلا إذا كان الأساس قوّيًا متينًا، متمكنًا ركينًا، وإن هذا الجيل الذي بين أيديهم هو حجرة الأساس في بناء هذه الأمّة من جديد. فليثبتوا الأساس، ليثبتوا الأساس. ١١٠/٢.
٥- وإذا اختلفت الأصول والمناهج في أمّة واحدة كانت كلها فاسدة، لأن الصالح كالحق لا يتعدد ولا يختلف. وخير المناهج لأمّة كأمّتنا في ظرف كظروفنا ما خرج سالكه بفكر صحيح وإن لم يخرج بعلم كثير. ١١١/٢.
٦- أي أبنائي المعلّمين:
إنكم في زمن، كراسي المعلّمين فيه أجدى على الأمم من عروش الملوك، وأعود عليها بالخير والمنفعة. وكراسي المعلّمين فيه أمنع جانبًا وأعزّ قبيلًا من عروش الملوك: فكم عصفت العواصف الفكرية بالعروش، ولكنها لم تعصف يومًا بكرسي المعلم. ١١٢/٢.
٧- وإن أشرف خدمة يقدّمها العاملون المخلصون لأمّتهم ولوطنهم هي التعليم والتربية الصالحة، فهما سلّم الحياة وإكسير السعادة. ١١٥/٢.
٨- فالمثقف هو الرجل المُهَذّب المستنير الفكر المجوهر العقل المستقل الفكر في الحكم على الأشياء، الجاري في تفكيره على قواعد المنطق لا على أسس التخريف، المطلع على ما يمكن من شؤون العالم وتاريخه، الملم بجانب من معارف عصره.
وقد تتسع الثقافة بوفرة الحظ من الأخلاق وكثرة المعلومات وقد تضيق بقلتهما وقد تنقسم باعتبارات جنسية أو لغوية أو دينية. فيقال: الثقافة العربية أو الفرنسية ويقال الثقافة الإسلامية أو المسيحية مثلًا. ١٢٥/٢.
٩- والمثقفون في الأمم الحية هم خيارها وسادتها وقادتها وحرّاس عزها ومجدها. تقوم الأمة نحوهم بواجب الاعتبار والتقدير، ويقومون هم لها بواجب القيادة والتدبير، وما زالت عامة الأمم، من أول التاريخ تابعة لعلمائها وأهل الرأي والبصيرة فيها، تحتاج إليهم في أيام الأمن وفي أيام الخوف. تحتاج إليهم في أيام الأمن لينهجوا لها سبيل السعادة في الحياة، ويغذونها من علمهم وآراثهم بما يحملها على الاستقامة والاعتدال، وتحتاج إليهم في أيام الخوف ليحلوا لها المشكلات المعقدة ويخرجوها من المضائق محفوظة الشرف والمصلحة.
والمثقفون هم حفظة التوازن في الأمم وهم القومة على الحدود أن تهدم وعلى الحرمات أن تنتهك وعلى الأخلاق أن تزيغ، وهم الميزان لمعرفة كل إنسان حدّ نفسه. ١٢٦/٢.
١٠- إن أول واجب على المثقفين إصلاح أنفسهم قبل كل شيء، كل واحد في حدّ ذاته، إذ لا يصلح غيره من لم يصلح نفسه، ثم إكمال نقائصهم العلمية واستكمال مؤهلاتهم التثقيفية حتى يصلحوا لتثقيف غيرهم، إذ ما كل مثقف يكون أهلًا لأن يثقف. ١٢٨/٢.
١١- أما الواجب في حدّ ذاته فهو في الجملة إيصال النفع والخير إلى الأمة ورفع الأمية والجهل عنها، وحثها على العمل وتنفيرها من البطالة والكسل، وتصحيح فهمها للحياة وتنظيف أفكارها وعقولها من التخريف، وتنظيم التعاون بين أفرادها وتمتين الصلة والثقة بين العامة والخاصة منها، وتعليمهم معاني الخير والرحمة والإحسان لجميع الخلق. ١٢٩/٢.
١٢- قال عن المصلح الكبير، والمجاهد النحرير مبارك الميلي – رحمه الله -:
“إن الذي بلغ به تلك المكانة من العلم أربعة أشياء ما اجتمعت في طالب علم إلا رفعته بالعلم إلى تلك المنزلة: استعداد قوي، وهمّة بعيدة، ونفس كبيرة، وانقطاع عن الشواغل الفكرية والجسمية يصل إلى حدّ التبتل. وهذه الأخيرة- لعمري- هي بيت القصيد”. ١٨٥/٢.
١٣- وإن في سير الكاملين لذكرى للمقصّرين والخاملين. ١٨٦/٢.
١٤- العلم هو عمارة الوطن وأساس الوطنية ومنشئ الوطنيين. ٢٢٢/٢.
١٥- وان تحرير العقول من الأوهام، سبيل ممهد إلى تحرير الأبدان من الاستعباد. ١٣٥/٢.
١٦- إن التعليم عند الأمم التي عرفت الحياة معدود في المقومات التي هي رأس مال الوطن، ورأس المال يسمو عن الحزبيات. ٢٣٧/٢.
١٧- والتثقيف هو أشرف مقاصد الحكومات الرشيدة، وإن الحكومات الرشيدة لتلتمس المعونةَ على تثقيف شعوبها من كل من يستطيعه من جمعيات وأفراد، وتبذُل لهم من التنشيط والتيسير ما يحقق ذلك. ٤٩/٣.
١٨- العلم نور…والعلم إيقاظ للأمّة. ٢١٠/٣، بتصرف.
١٩- وغاية الغايات من التربية هي توحيدُ النشء الجديد في أفكاره ومشاربه، وضبط نوازعه المضطربة، وتصحيحُ نظراته إلى الحياة، ونقله من ذلك المضطرَب الفكري الضيّق الذي وضعه فيه مجتمعه، إلى مضطرَب أوسعَ منه دائرة، وأرحب أفقًا، وأصحّ أساسًا. ٢٧٥/٣.
٢٠- العلم … العلم … أيها الشباب لا يلهيكم عنه سمسار أحزاب، ينفخ في ميزاب، ولا داعية انتخاب، في المجامع صخاب، ولا يلفتنكم عنه معلّل بسراب، ولا حاوٍ بجراب، ولا عاوٍ في خراب، يأتم بغراب، ولا يفتنّنكم عنه منزوٍ في خنقة، ولا ملتو في زنقة، ولا جالس في ساباط، على بساط، يحاكي فيكم سنّة الله في الأسباط. فكل واحد من هؤلاء مشعوذ خلّاب وساحر كذّاب. ٣١٦/٣.
للتواصل مع الكاتب Abdurrahmanalaufi@gmail.com