رمضان على الأبواب.. الجائحة عصفت بعمله و أحلامه وبقي هو وامه واخته الصغرى تحت رحمة المحسنين وبعض ممن يطلبه للعمل من آن لآخر في أعمال متفرقة فقد كان حارس أمن بأحد الفنادق الكبرى ولما شلت حركة السياحة بسبب إغلاق الفضاءات الجوية. اضطروا للاستغناء عنه و مجموعة من زملاءه…كان الوقت مساء حين استيقظ طاهر من قيلولته خرجت والدته من المطبخ وهي تمسح يديها و خاطبته مبتسمة كل سنة وانت طيب يا حبيبي ثم قعدت الى جانبه و ربتت على كتفه بحنان وقالت.. الحاجة فضيلة الله يكرمها بعثت لي بكل ما يلزم الشهر الفضيل وقد شرعت في تحضير بعض الحلوى انا واختك ما شاء الله عليها بدأت تتقن كل الأصناف خاصة تلك التي تحبها ، ثم بدأت تعدد.
كان يستمع إليها في حزن ويتكلف البسمة حتى لا يشعرها بما يعج في صدره من ألم.. فهو يحس انه اصبح من المتسولين بعد ان كان كامل الوجاهة والأناقة وهو يعمل في الفندق الفخم ويقابل كل يوم المشاهير و أعيان البلد شعرت الأم بما يجول بخاطر إبنها حتى ترقرقت دمعة في عينيها فقبلت خده وهي تخفيها وقالت له لا تحزن يا حبيبي ربنا يفرجها، ان شاء بكرة تجد شغل و تبسطنا كما كنت . ثم نهضت لتكمل عملها بالمطبخ.
بعد لحظات عادت مع ابنتها حاملة صينية الشاي و معها طبق عليه ما طاب من حلويات . ثم عاودت التهنئة وهي تقدم له طبق الحلوى وابتسامة عريضة على وحهها وقالت له تذوق حلوياتنا وقل لي رايك اغلبها من صنع أختك ثريا تذوق الشاب بعض الحلوى و عبر بكل إخلاص عن إعجابه بها..
كانت الام قد جهزت طبقا آخر وغطته بمنديل مطرز وامرت ابنتها ثريا ان تأخذه للحاجة فضيلة تشكرها على طيبتها وحسن صنيعها. خرجت الفتاة لتلبي طلب امها. وجلست الأم مع ابنها تحادثه في أمور مختلفة.
عند منزل الحاجة فضيلة استقبلت ثريا بحفاوة.. ولما كشفت الحاجة الطبق ابدت اعجابها الشديد بما رأته من حلويات ومدت يدها للتذوق فزاد إعجابها فطلبت من الفتاة الجلوس لغرض مهم. اصغت الفتاة باهتمام شديد للسيدة تحول الصورة الى بيت طاهر والدته تعبر عن قلقها بشأن تأخرها عند الحاجة فضيلة و الشمس تقترب من المغيب.
بدأ القلق ايضا على وجه الشاب حتى هم بالخروج ليستعجلها ان كانت ما تزال عند الحاجة فضيلة لكنه ما ان هم بالاستعداد للخروج ولبس سترته حتى سمع باب البيت يفتح و دخلت ثريا وعلى وجهها علامات الفرحة و الاستبشار فسالتها والدتها في لهجة عتاب ما الذي اخرك يا بنيتي كل هذا الوقت ؟؟!! فردت الفتاة وابتسامة عريضة على وجهها الأمر يستدعي جلسة حلوة مع امي الحبيبة واخي الغالي.
ثم جذبتها نحو مقعد طويل في صدر الصالة والأم والابن في دهشة و مليون سؤال يلوح على وجههما. فصاحت الأم فيها هاتي ما عندك فصبري نفذ قالت الفتاة.. الموضوع بأختصار ان الحاجة فضيلة عرضت علينا ان نشاركها بمشروع سأل الشاب في حيرة مشروع؟؟ كيف.. فسري.. فتدخلت الأم اي مشروع هذا تريدنا ان نشاركها فيه ؟ .. ليس لدينا المال للمشاريع… انها تعرف البير وغطاه فردت الفتاة وهي تقبل يد أمها صحيح ليس لدينا مال لكن لدينا ما يجلب المال و رفعت كف أمها واعادت تقبيلها.
تدخل الشاب في حيرة و قال والله انا لا افهم شيئا !! قالت البنت انا افهمك عندما تذوقت الحاجة فضيلة حلوياتنا اعجبت بها كثيرا وسألتني من صنعها قلت لها امي وانا وهي من فضلت خيرك فخطر ببالها المشروع.. محل حلويات، هي لديها محل مقفول منذ مدة يقع في مكان مميز على ناصية شارعنا، كانت ترغب في تأجيره لأنها لا تجيد التجارة في اي شيء ولما تذوقت حلوياتنا خطرت لها فكرة محل الحلويات، هي بالمحل و معدات العمل و نحن بصنع الحلويات والعمل.. ثم توجهت لشقيقها وقالت له ..انا وأمي سنعمل وانت تباشر تلقي الطلبات.. وانا واثقة يا أخي اننا سننجح..
نزل الخبر بردا وسلاما على قلبه و قلب أمه.
فهو أخيرا سيأخذ ما تجود به الحاجة مقابل خدمات.. لا بل هي من ستنتظر بفارغ الصبر ما يجود به عليهم ربنا الكريم من فيض نعمه.. فعقد العزم على العمل الجاد وان يتقدم بالمشروع لأبعد مدى فقد يمد الفندق الفاخر بما يلزمه من حلويات.. لا بل سيتولى تجهيز الحفلات به .. لما لا فقد كان من العمال المميزين و يتمتع بحب وثقة مدير الفندق وكل العاملين و حتى الزوار.
حل رمضان الكريم وكان المحل يتلألأ بالأضواء ورائحة الحلويات الشهية تفوح لأبعد مدى.. بل زاد العمال تحت إشراف والدته.. وشغل من الشباب من يتولى توصيل الطلبات كما تحلق الكثيرين حول محله ينتظرون دورهم في شراء ما لذ وطاب.
وفي ليلة العيد خرج طاهر بعد صلاة العشاء يتفقد بعض زملاءه الذين خسروا وظائفهم وهو محمل بحلويات العيد و بعض المال ليساعدهم به ويدخل الفرحة على قلوبهم وقلوب ابناءهم وبعد عودته صلى ركعتين شكرا لله ودعا للحاجة فضيلة من قلبه وتمتم بآيات قرآنية سمعت آخرها ومن احياها فكأنما أحيا الناس جميعا – صدق الله العظيم
للتواصل مع الكاتبة argana_63@live.fr