قبل أيام قلائل تشرّفت بزيارته في مجلسه العامر الذي يستقبل فيه يوميًا أهل المدينة وضيوفها وزوّارها بعد صلاة المغرب هذا المجلس الذي يُطلق عليه ( العبّاسية ) هو امتداد لمجلس والده الكريم الجليل الشيخ عبدالحميد عباس رحمه الله ، استقبلني الشيخ أحمد كعادته والابتسامة الدائمة تُزيّن مُحيّاه يستقبل بها الصغير والكبير والغني والفقير ، أجلسني بجانبه ، سألته عن صحّته فردّ عليّ بنبرات الحامدين الشاكرين الصابرين من العباد وقال الحمدلله في أحسن حال ، وما ففتئ يسألني للإطمئنان عن الأقرباء والأصدقاء القريبين المريض منهم والصحيح وقد تعوّدتّ منه ذلك كلما سعدت بزيارته.
تلقيت مكالمة من صديق عزيز في منتصف ليلة الإثنين الماضي ١٤ / ١١ / ١٤٤٦هـ ينقل لي نبأ وفاته ، فنزل الخبر عليّ مثل الصاعقة لم أتمالك نفسي من هول الخبر.
وأنا على يقين بأنّ كلّ مَن سمع بخبر موت هذا الرجُل الخلُوق المتواضع الكريم من معارفه وأقاربه وأصدقائه تكدّر وحزن حُزنًا شديدًا لموته وغيابه.
وبالأمس القريب فقدت مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أبنائها البررة والذي وافاه الأجل على عَجَل : الشيخ أحمد عبدالحميد عباس وبفقده غيّب الموت عنّا واحدًا من أبرز وُجهاء مدينتنا ورجالاتها الأوفياء المعروفين على الصعيد المجتمعي والرسمي ، وقد ترك موته فراغًا يصعب ملؤُه وتعويضه.
من الصعب بمكان أن أعبّر وأرصد الحُزن الكبير الذي أصاب زُمرة كبيرة من أهل المدينة بموت هذا الفقيد الغالي اقتدى طيلة حياته وترسّم خُطوات ومسيرة والده المُحسن الجليل الشيخ عبدالحميد عباس في الصفات والمحاسن والفضائل التي كان يتحلّى بها ويحملها ذلك الشيخ الوقور من أخلاق وعطاء وبذل وبر وسخاء وإصلاح بين الناس من باب الوفاء ومجلس يومي مفتوح للشيوخ والعلماء والمثقفين والأدباء والأغنياء والفقراء حتى بات هذا المجلس علامة فارقة بين مجالس مدينة سيّد الأنبياء عليه الصلاة والسلام.
منذ زمن وأنا أطلب من المرحوم الشيخ أحمد السماح لي بأن أخصّص له حلقة من الحلقات التي أكتبها وأنشرها والتي تحمل عنوان : ( قامات وأعلام تشرّفوا بخدمة مدينة سيّد الأنام صلى الله عليه وسلم ).
فكان يرفض ذلك بشدّة ويهمس لي في أذني ويقول ( أعفيني عن ذلك .. )… إنّه تواضع الكرام من الرجال ولكن مع طلب الكثير من الناس وإلحاحهم بالكتابة عنه كرّرت قبل شهور معدودة الطلب منه وأصرّيت على طلبي حتى حصلت منه على الموافقة وكانت على مضض منه ، وكانت بمساعدة كريمة وشفاعة من نجله الأكبر الخلُوق المؤدّب الأستاذ غسان احمد عباس.
كتبت عنه حلقة خاصة ولاقت تلك الحلقة استحسان وقبول غير مسبوق من أهل المدينة الكرام ومن خارج المدينة من الناس العظام .. وتلقيت بعد نشرها سيلاً كبيرا من التعقيبات اللطيفة والتعليقات الكريمة والثناءات الجميلة لشخصه الكريم والتي كدتّ أغبطه عليها.
لم أستغرب ذلك فقد كان هذا الرجل محبوبًا ومقبولاً ولطيفًا لدى الجميع يتمتّع بسيرة عطرة وتواضع جم وأخلاق رفيعة وهدوء ملحوظ وابتسامة دائمة وصادقة وكرم وبذل وعطاء يفوق الوصف.
أعلم يا أبا غسان .. أيّها الفقيد الغالي .. أنّ طائفة كبيرة من الأرامل والأيتام والمساكين والفقراء والمحتاجين والضعفاء سوف يتكدّرون ويتألّمُون ويبكُون عليك فقد كُنت لهم بعد الله مُعيناً ورافداً ومُغيثًا بل سنبكيك كلّنا يا أبا غسان ونذرف الدموع عليك فقد كنت عنوانًا لنا في النُبل والشهامة والعراقة والطّيبة والسماحة.
يا أبا غسان … من محبّتي لك وُحزني عليك عَجَزْتُ أن أجد بين مفردات اللغة كلمات تليق أن أُرثيك بها وأُكفكف بها الدموع وأضمّد بها الجراح وأُخفّف بها آلَامَ فراقك ووطأة غيابك فالخطب جلل والمصيبة عظيمة.
العُذر منك يا أبا غسان .. في أنّي لم أستطع أن أمنحك حقك من عبارات الأسى والألم التي توازي حجم فراقك ، ففقدك المؤلم وغيابك المُفاجئ المُفجع أحدث في قلمي شرخًا عجز بسببه من سكب مداده وإظهار نِتَاجِهِ وكتابة ما يليق بمقامك.
والحمدلله الذي جعلنا مؤمنين لا نقول عند الشدائد والمصائب إلا ما أمرنا به ربّنا سبحانه جلّ جلاله : ( إنّا لله وإنّا إليه راجعون ) أسألك يا الله يا كريم يا عظيم أن تغفر وترحم عبدك : أحمد عبدالحميد عباس فإنّه أصبح في ذمّتك وفي ضيافتك فاجعله يا أكرم الأكرمين في العلّيين مع النبيّين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
للتواصل مع الكاتب ٠٥٠٥٣٠١٧١٢

الفقيد – الشيخ – أحمد عبدالحميد عباس

