مع كل إشراقة صباح أكحل ناظري بجمالها ، وجمال جبالها ووديانها وبطحائها ، أحاكي قسوة صخورها ، وصلابة صخرها ، وشدة حرها. في كل يوم أتنفس هواءها ، وأنظر صوب حرمها الطاهر وحوله الطائفون العاكفون ، فأردد اللهم كما حفظت بيتك من إبرهة وجيشه ، فأحفظنا بعينك التي لا تنام .
يا مكة الخير ، إن جمال صورك قد رسمها الحجاج والمعتمرون يوم وطأت أقدامهم ثراك الطاهر ، ولازالت تلك الصور مترسخة بأذهانهم ، تحمل في كل يوم شوقا لك . أحبوك يا مكة لأنك جعلت الجبار بأرضك ذليلا ، وحنى المتكبر رأسه خوفا منك ، وسكبت دموع المشتاقين إليك يوم لامست أقدامهم ثرى ترابك الطاهر ، فيا مكة الخير والحب ضمني وسط أحشائك يوم رحيلي وكوني الحافظة لجسد بال تحت ثراك .
أتذكرك يا مكة كلما غادرت ترابك الطاهر وأتذكر معك طفولة نشأت ، ورجولة اكتملت ، أحبك الجميع ، وقال عنك الرسول صلى الله عليه وسلم ( إني لأعلم أنكِ أحبُّ البلاد إليَّ، وأنكِ أحبُّ أرض الله إلى الله، ولولا أنَّ المشركين أخرجوني منك ما خرجت! )
وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ( لولا الهجرةُ لسكنتُ مكة، فإني لم أرَ السماء بمكان أقربَ إلى الأرضِ منها بمكة، ولم يطمئنَّ قلبي ببلد قطُّ ما اطمأنَّ بمكة، ولم أرَ القمر بمكانٍ أحسنَ منه بمكة! )
قالوا عنك مهبِط الأفئدة والقلوب ، فقلت أنت شفاء العليل والمجروح ، إليك تتجه القلوب خاشعة ، والصدور منشرحة ، والالسن ناطقة بذكر الله ، من يتوجه لك بقلب خاشع يولد من جديد ، فلا يشعر بحزن، ولا يعكر صفوه شيء . قال عنك مضاض بن عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي والبعض ينسبها إلى عمرو بن مضاض:
فسحّت دموع العين تبكي لبلدةٍ
بها حرم أمنٌ وفيها المشاعر
وتبكي لبيتٍ ليس يؤذي حمامه
يظلّ بها أمنا وفيه العصافر
وفيه وحوش لا تُرابُ أنيسةٌ
إذا خرجت منه فليست تغادر
أفبعد هذا يكون هناك قول عنك ، أيتها العزيزة الغالية ، التي قال عنك فيلسوف الحجاز الشاعر محمد فقي :
شَجانا مِنْكِ يا مَكَّةُ ما يُشْجى المُحِبِّينا فقد كُنْتِ لنا الدُّنيا.
كما كنْتِ لنا الدِّينا
وكنْتِ المَرْبَعَ الشَّامخَ
يُرْشِدُنَا ويَهْدِينا
وكنْتِ الدَّارةَ الشَّمَّاءَ
تُكْرِمُنا وتُؤْوِينا
وكنْتِ الرَّوضَةَ الغَنَّاء
تُلْهِمُنا وتُعْلِينَا
فما أَغْلاكِ يا مكَّةُ أَنْجَبْتِ المَيامِينا وما أَحْلاكِ يا مكَّةُ
وقال عنك لشاعر محمد رفعت زنجير :
قلبِي يَذُوبُ إِلَيكِ مِن تَحْنَانهِ
وَيَهِيمُ شَوقاً في رُبَاكِ وَيَخْضَعُ
فَإذا ذُكِرتِ فَأَدمُعِي مُنْهَلَّةٌ
وَالنَّفْسُ مِن ذِكْراكِ دَوْماً تُوْلَعُ
وَإِذا خَلَوتُ إِلَيكِ كَانتْ وِجْهَتِي
لتواصل مع الكاتب ahmad.s.a@hotmail.com