
للأسف، وقتُنا اليوم تُقاس فيه القيم بعدد المشاهدات في عالم السوشيال ميديا، وتُسمَع الكلمة قبل أن تُفكَّر، وأصبحت النصيحة امتحانًا للإخلاص والحكمة معًا. فالكلمة اليوم قادرةٌ على أن تُصلح أو تُثير، تبني مكانةً أو تهدمها، وكل ذلك يعتمد على صدق الناصح وحكمة توقيته.
لم يعد المشهد الإعلامي كما كان قبل سنوات. فاليوم، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحةً مفتوحةً يعيش فيها الناس باختلاف عقولهم للناشر والمتلقي لحظةً بلحظة، يتابعون الجديد ويتأثرون بما يُقال ويُعرض أمامهم. ومع هذا الانفتاح، أصبح كثيرٌ من المشاهير يستخدمون هذه المنصّات كجسرٍ للشهرة والتأثير، حتى باتت آراؤهم تُشكّل مواقف وتوجّه سلوكًا في المجتمع.
ومن الطبيعي أن يحاول بعضهم تقديم النصيحة أو التوجيه، رغبةً في النفع أو حبًّا في الظهور. لكن ما ينجح من هذه النصائح لا يعتمد فقط على “الفكرة”، بل على الطريقة والناصح نفسه. فالكلمة الجميلة إذا خرجت من قلبٍ صادقٍ ومتواضعٍ، دخلت القلوب بلا استئذان، أما إن جاءت بنبرةِ غرورٍ أو تعالٍ، ضاعت قيمتها مهما كانت صحيحة في مضمونها.
كم من نصيحةٍ فُهمت خطأ بسبب المكان أو التوقيت! حين يظهر أحدهم من مكانٍ فخمٍ ليتحدث عن الصبر أو القناعة، فإن رسالته تفقد وزنها مهما كانت نياته طيبة. وكذلك عندما تُقال النصيحة في وقتٍ مشحونٍ بالأحداث، فقد تُثير الجدل أكثر مما تُصلح.
في زمنٍ سريع الإيقاع، لا يكاد يخلو بيتٌ من هاتفٍ ذكي، بعدما أصبح الناس على اختلاف أعمارهم متابعين لتلك البرامج. لذلك أصبحت الكلمة مسؤوليّة، وليست مجرد رأيٍ يُلقى للعامة. كلمةٌ واحدة قد تُهدّئ النفوس، وأخرى قد تشعل فتيل أزمة.
والنصيحة الصادقة تترك أثرها حتى لو كانت قصيرة ربما جملةٌ بسيطة من شخصٍ محبوبٍ ومتواضع تغيّر فكرَ جيلٍ كامل، بينما عشرات النصائح من متعالٍ لا تجد طريقها إلى أحد.
علينا أن نتذكر أن المشاهير بشر مثلنا؛ فيهم من يُحسن القول والتصرّف، وفيهم من يُخطئ. لكن الخطأ حين يأتي من شخصٍ مؤثرٍ يراه الملايين، تكون آثاره مضاعفة. وكم من مشهورٍ فقد محبة الناس بسبب سوء تعبيرٍ أو اختيارٍ غير موفقٍ لوقته وكلماته.
إن وسائل التواصل الاجتماعي سلاحٌ ذو حدّين. فهي تُعطي الشهرة بقدر ما تختبر الوعي. من أحسن استخدامها ارتقى بها، ومن أساء فقد مكانته سريعًا. ولهذا، تبقى النصيحة مسؤوليةً لا تُقاس بعدد المتابعين، بل بصدق الكلمة، وحكمة التوقيت، وذكاء الطرح.
للتواصل مع الكاتب : 0532663066