خوارم المروءة (2)
-في زمنٍ اضطربت فيه الموازين، وتهشّم فيه وجه المروءة على يد أقوامٍ سفهت أحلامهم، وتدنّت أخلاقهم، واندثرت فيهم معالم الهيبة والعرف، لم يبقَ للمرء الكريم إلا طريقان لا ثالث لهما.
-الطريق الأول: أن يخالط الناس مخالطة الحكيم، فيشهد أفراحهم وأتراحهم، ويصبر على خفة عقولهم كما يصبر على رزانة ذوي اللبّ منهم، محتسبًا ذلك عند الله ومتعاليًا عن صغائر النفوس.
-فإن قادتك الأقدام إلى حفلٍ عام أو خاص، ورأيت صدر المجلس مزدحمًا بمن سبق إليه ومن لا يستحق أن يتصدر فيه، فدعهم لما اختاروا، واجلس حيث يتسع لك مكان في الصف الثاني أو الثالث؛ فالمكان لا يرفع أحدًا، والجلوس لا يحطّ من كرامة كريم.
-وإن قصّر القوم في استقبال يليق بمقامك، فاكظم غيظك، وجنّب نفسك ضجيج الاعتراض، واجلس في أقرب كرسي كأنك لم تنتظر من الناس شيئًا، فكرامتك لا تستمدها من يد تستقبلك، بل من نفسٍ تأبى الانكسار وإن ازدحموا على الموائد ازدحام الجياع، فلا تُشابههم ولا تُسابقهم؛ خذ ما تيسّر لك، واحمد الله الذي وقى قلبك دناءة التزاحم، وحفظك من خفّة الطبع.
-وإن سَمِعت من يمطّون الثناء مطًّا، فيرفعون صاحب الحفل فوق قدره، وينسبون إليه ما لم يكن فيه، فألزم الصمت؛ فإن الصمت في مواطن المبالغة أبلغ من الكلام. بارك، وامضِ، واحمد الله الذي سلّمك من التزلّف ومهانة المدّاحين.
أما الطريق الثاني – فهو العزلة الكريمة؛ أن تلزم بيتك، وتترفّع عن مجالسٍ كثر فيها الصغير المتطاول على الكبير، وارتفع فيها صوت السفه على العقل، وساد فيها من لا يعرف للوقار قدرًا ولا للهيبة موضعًا.
-فالعبط في ازدياد، والهزل صار هو الجد، وتراجع العرف حتى أوشك أن يُنسى، وتجرّأ الأقزام على من تكبرهم المروءة مقامًا وعقلًا.
اللهم قد بلّغت، اللهم فاشهد
وقفة.
الله خلقنا إكرام ما نخشى الفقر
نعطف على المحتاج واحنا أحوج مِنهْ
للتواصل مع الكاتب 0505300081


