
فنجان قهوة واحد كفيل بتعديل مزاجنا وانعاش قلوبنا ، رشفاتها تعطي إحساسًا جميلًا من الفرح الداخلي ، وانتشارها الكثيف بوقتنا الحاضر يكفل لك تجربة فريدة ، إن أدمنتها فأنت من أصحاب المزاج الذين يبدأون في التفتيش عن أفضلها ، وغالبًا ردهات المقاهي وديكوراتها وتصاميمها الداخلية وألوانها الداكنة تعطي سحرًا لتعيش عبق الجمال الذي يزيد الأحاديث دفءً . حتى النوادل أو البارستات إن كانوا ذو سترات بطابع معين فغالبًا ما يعطي انطباعًا عن فخامة المكان وسحره ليخبرك عن مذاق للقهوة مميز وغني وفريد.
وانتشار المقاهي كان على مر التاريخ ومن الشرق حيث يقدم الشاي واليانسون وقد تكون القهوة في المآتم والعزاء، وفي الغرب تعد مقاهي فيينا مستقطبًا لكثير من محبي تجربة القهوة من مختلف أنحاء العالم، وذلك بعد ظهور القهوة السوداء منها. حيث عثر عليها الجنرال العثماني بعد أن فقد السيطرة عليها على حبوب غريبة المظهر طعمها مر، فأضاف عليها السكر والحليب، لتكون مشروبًا جديدًا يحقق نجاحًا باهرًا، لتنطلق المقاهي عام 1685 ومن ثم تظهر قائمة القهوة السوداء، الإسبريسو ومنها اللاتيه والكابتشينو والماكياتو والموكا وفلات وايت والكثير ليتم البحث عن أجود أنواع البن حيث (القهوة المختصة) وهي أفضلها لأنها تزرع في مناخات خاصة كالمرتفعات، ويتم قطفها بوقتٍ مناسب وتحمص بدرجة معينة، وكلها مختلفة تمامًا عن القهوة العربية.
ومن المثير أن المقاهي في الوطن العربي تميزت بأن مرتاديها كانوا من الأدباء والفنانين، فكان نزار قباني يقول: نصف أدباء العالم تخرجوا من أكاديمية المقاهي والشوارع.
ففي ردهات المقاهي المصرية، جلس الأدباء والفنانون لتكون لهم مكانًا للاجتماع والعزلة أيضًا، وإن كانت المقاهي في ذلك الوقت ذات ديكور بسيط وقد يكون متهالك إلا أنها منبع للتأليف والجلوس بزواياه لتأمل المكان وطرقاته وتلك الوجوه المارة لتنسج أجمل اللوحات.
ومن أشهر هذه المقاهي (مقهى الفيشاوي) ومن أشهر مرتاديه نجيب محفوظ وجمال الدين الأفغاني وعبد الحليم حافظ والعقاد وغيرهم ومنه كانت رواية (خان الخليلي) لنجيب محفوظ ومثلها (قشتمر)و(الكرنك). وذكر نجيب: (إن أغلب ما كتبت كان قد جرى في المقاهي كنت أسمع تلك الحكايات من أصدقائي والحاضرين فأجعلها بعد ذلك مدادًا لأعمالي) وحتى علماء الأزهر كانوا يجتمعون بمقهى الفيشاوي بعد صلاة الجمعة لمناقشة أمور الدين، وكذلك المقابلات مع الصحافة والتلفزيون تتم بها. وقد احتوى على عدد من مقتنيات القصور الملكية، كإهداء من الأسرة المالكة لأهميته في ذلك الوقت. ليظهر مقهى (ريش) في قلب القاهرة لشخص فرنسي جعله على غرار كافيه (ريش) مجمع المثقفين في باريس، ليصبح ملتقًا للأدباء والمثقفين فتعقد فيه الندوات الثقافية والأدبية لكبار الكتاب والشعراء. وغيرها الكثير لتشير لأهميتها الثقافية والفنية.
لنعود مرة أخرى لمقاهينا اليوم، وما تقدمه من تجربة فريدة بالاستمتاع بديكورات راقية، وخدمة في تقديم القهوة والكوكيز والكعك الساخن، إضافة إلى أن البعض منها يقدم خدمة الإنترنت بحيث يكون بيئة للعمل أو المذاكرة وقد يكون مكانًا لتصفية الذهن. وما يثير الإعجاب أن أوقات العمل فيها من الصباح الباكر حتى منتصف الليل.
بهذا قد نتفق أن المقهى اليوم يعد بيئة مناسبة تحفزك على الإبداع.
للتواصل مع الكاتبة @ameera7060