لن أبدأ بحكاية ولا بمقدمة تشبه البدايات المعتادة؛ فما سيأتي ليس نصًا أدبيًا مصقولًا بلغة الأدب ولا محاولة لنسج نص متقن بل ضوضاء قلبٍ أرهقه الصمت، ففاض بما لم يجد طريقه إلى القول طويلًا. هذا البوح ليس محاولة لصنع جمال، بقدر ما هو محاولة لالتقاط الأنفاس بعد زحام الشعور.
ثرثرة القلب هذه المرة ليست خفيفة، إنها ثقيلة، ناضجة، تشبه حديثًا مؤجلاً لا يحتاج إلى جمهور، لكنه يرفض أن يظل سجينًا بين الضلوع.
فأحياناً نظلم أنفسنا بالصمت حين نحتاج أن نتكلم، نبتلع الغصّة حتى لا نجرح أحدًا، ونخبّئ دموعنا خلف ابتسامة حتى لا نثقل على قلب نحبه. لكن الحقيقة أن هذا الثمن باهظ، وأن قلوبنا لا تُصان بالكتمان، بل بالبوح لمن يستحق.
حين أتانا الخذلان من أقرب الأبواب إلينا تظاهرنا بالقوة رغم احتياجنا لمن يلتقط شتاتنا دون أن نسأل وأضعنا الكثير من العمر ونحن ننتظر اللحظة المثالية لنعيش، ثم نكتشف أن اللحظة الوحيدة التي نملكها هي هذه التي بين أيدينا الآن.
عرفنا مؤخرًا أن الحب لا يُقاس بعدد الرسائل أو الكلمات، بل بصدق الحضور، وأن الرحمة في القلب أهم من فصاحة اللسان، وأن الطمأنينة لا يمنحها إلا من أحبّك بعمق، لا من أحبك بصوت عالٍ.
ثرثرة القلب ليست دروسًا ولا حكمًا مكتملة، بل شظايا من شعور، ربما وجدت طريقها إليك، أو كنت تنتظر من يكتب عنك دون أن يذكر اسمك.
وحين تنتهي هذه الثرثرة، لن نعد انفسنا بأننا قد تحررنا من كل ما في دواخلنا ولكننا قد نعد قلوبنا ان لا تختبئ بعد الآن خلف الصمت.
فالكلمات التي لا تُقال تتحول إلى حجارة في الروح وأنا اخترت البوح، علّه يقودني إلى سلامٍ لا يحتاج إلى شاهدٍ ولا تصفيق.


