
في أواخر الستينيات من القرن الماضي، تنبّأ الرسام الأميركي آندي وارهول بظهور وسيط إعلامي يوفر للشخص العادي حلم الشهرة السريع، وعبّر عن ذلك بمقولته الشهيرة: في المستقبل سيتمكن الجميع من أن يصبحوا مشهورين شهرة عالمية خلال 15 دقيقة فقط، وبالرغم أنه في ذاك التاريخ لم تكن وسائل الإعلام واسعة الانتشار – كما هو في عصرنا الحاضر- بما يحقق نبوءة وارهول، لكن بعد اكثر من خمسين عاما من نبوءته، ظهر في زمننا العديد من الوسائط والوسائل، التي حملت على عاتقها تلك المهمة، فصارما يكتبه المرء في الشمال الأقصى بإمكانه أن يصل إلى أدنى الجنوب في اللازمن، عبر منصات ووسائل وأساليب تقنيَّة ومعارفية متعددة، فتحت الافاق وأعطت الحرية في التعبير عن الرأي وكل فرد وما يريد.
بل فتحت الآفاق وأتاحت التفاعل بين الأشخاص نحو مساحات أرحب منحت الحرية في التعبير عن الرأي، مما أفسح المجال كثيرا لانتشار المشاهير، على نطاق واسع فصارت وسائل التواصل مليئة بالعديد من الأسماء المشهورة، وعلى اختلافاتها، بين الجاد الذي يقدم محتوى علميا أو معرفيا، وبين الوجه الآخر من المشاهير، الذين يتفننون في المحتوى الفارغ، من هنا برزت لنا ظاهرة الشهرة كحالة تحتاج إلى التأمل والتساؤل، حتى غدت الشُّهرة والنجومية مطلبا لدى كثيرين، في سباق محموم للوصول إلى الترند حتى ولو كان المحتوى قولا أو فعلاً بلا معنى، فقط ليكون في دائرة الاهتمام، فيعرف أينما كان، وحيثما أتجه، فالأبصار ترمقه، معها يشعر باهتمام الآخرين، وأنه موضع حديثهم، وأنعم بشهرة وفكر حسن جعلت من صاحبها نجماً راقيا في حضوره، محبّته تُزرع في قلوب الناس من حوله، وعطاءه ونفعه يمتد ربما الى ما بعد الممات، أدرك مدى قوة وسائل التواصل والوسائط وتأثيرها، فوظفها بشكلها الفعال الإيجابي، مبتكرا في استخدامه لهذه الأدوات، بأفكار جديدة ورؤى بناءة، يمتلك المهارات والقوة التي تؤهله لإحداث تغيير حقيقي، رسالته خدمة مجتمعه، وأن يكون ذا تأثير فعال.
لا يعيش لأجله بل لمن حوله، يمنحهم العطاء، لا ينتظر أن يُقال له شكرًا، ايجابي يشعر فعلاً بقيمته، لإدراكه كم هو التأثير الذي سيحدثه في حياة الاخرين، لديه إمكانيات متاحة اكثر للتواصل، فحظي بوافر التقدير والاحترام، لتجاربه الواعية، ورأيه السديد، وأضحى انموذجا يُحتذى به، فالشهرة وحب الظهور محبب للنفس، ولكن أن يتحول الأمر إلى هوس فهو المرض ذاته، حالة فراغ وخواء وأزمة لاوعي، تحتاج الى علاج، لأولئك الذين خرجوا من جاذبية الأرض، وحلقوا في خيالات تناقض الواقع، يسعون لكسب الشهرة عبر مختلف الوسائل، وبشتَّى الطرق، أضاعوا الأخلاق وسعوا في اندثار القيم، تركوا الأثر السيئ، تافهون أفسدوا كل شيء، وكثيرا منهم لينال النجومية الزائفة، أخذ بخالف تعرف، يتصدر المشهد بفعل التوافه والاستهزاء وقلة الحياء، لا هوية لهم ولا هدف، همهم التسويق لأنفسهم، يستعطفون الاخرين لمتابعتهم، ليقال مشهور وقد قيل، ظاهرة انتشرت مؤخرا وتحتاج إلى تحجيم، وإيقاف مدها السطحي التافه، خصوصا أن البعض منهم يحظى بقاعدة جماهيرية ولديه عدد كبير من المتابعين، وبمأن التوعية تعتبر الخط الأول للوقاية والحماية من السلوكيات المرفوضة والعادات السلبية، ولابد من أخذ الخطوة، هنا يتعاظم دور مؤسسات المجتمع، ومشاركة المختصين والمهتمين، للتوجيه والتثقيف وتقديم التوصيات، وإيجاد الحلول، والعمل مع وسائل الاعلام، في تكامل وتواصل لبناء جيل متوازن من الناشئة والشباب، هم القدوة لأقرانهم وللأجيال، صالحون ومصلحون، وما أحوجنا لذلك.
للتواصل مع الكاتب/al.mozine1436@gmail.com