التنظيم هو عبارة عن مجموعة قواعد و نظم و ممارسات توضع على شكل قانون يمشي عليه مجموعة من المسيرين لتسهيل الوصول لأهداف محددة بوقت أسرع وبكفاءة عالية ، و تأتي أهمية التنظيم في تمكينه لفئات المنتسبين من التدريب أو التوعية و تزويدهم بكل ما يحتاجون اليه من أسباب التحفيز للعمل و الاخلاص فيه أيضا ، كما تنظيم العمل و توزيع المهام حتى تكون المردودية أكثر جودة و فعالية ، و يأتي الهيكل التنظيمي بعد تبلور مجموعة أفكار تتعلق بمشروع ما ، إصلاحي و توعوي أو إنتاجي صناعي بهدف التغيير للأفضل أو الارتقاء للأجود ، و يمكن أن يكون التنظيم ذو صبغة سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أو اقتصادية.
إلا أن أهم و أخطر ما في التنظيمات هو تجميع السلطة بين يدي نخبة من المسيرين ، بيدهم الحل و العقد ، المكافئة أو العقاب ، كما وضع خطة العمل و متابعتها و توزيع المهام ، وهذا المبدأ قد يكون أكثر إيجابية في التنظيمات الاقتصادية لأن سلطة الخبراء على رأس هذا الهرم تكون ضرورية لضبط سير العمل و تحفيز العمال بما يمكنهم من أداء مهامهم بطريقة أكثر فاعلية ، كما أن مبدأ المكافئة و العقاب يجعلهم أكثر انضباطا في العمل و التزاما بإتقانه.
إلا أن هذا المبدأ ، أي تجمع السلطة بين النخب في التنظيمات السياسية ، قد يكون أكثر سوءا لأنه في هذه الحالة يجعلها اكثر قابلية للانحراف عن الفكرة العامة أو الأساسية التي قام عليها التنظيم ، و أكثر انحيازا لأهواء المسيرين و التي يمكن أن تنهار أو تنبطح لأي جهة ضاغطة ، أو تخضع للمساومات و الإغراءات كما أن التنظيم في الحالات السياسية يجعل أفكاره أو عقيدته أكثر عرضة للإفراغ من المحتوى و إحالتها لمجرد شعارات تستوحي مفاهيمها مما تجود به النخبة المسيرة من تفسيرات و تحليلات أو اجتهادات حسبما ترى فيه من مصلحة سياسية ، كما أن القوانين المفروضة و المساطير المتبعة في التنظيمات تحد كثيرا من حرية الفرد في العطاء و الحركة و الابداع ، كما تجعل من المنتسبين طاقات معطلة في معظم الوقت لا تنشط إلا في بعض المناسبات السياسية كالانتخابات .أو الهبات الجماهيرية لأسباب عدة.
وقد عرفت أوربا نظام التنظيمات في القرن 19م في عدد من مرافق حياتها الاجتماعية و الثقافية حتى و أن كانت على شكل تيارات تجمع حولها المريدون و الأنصار بعفوية دونما نظام أو تنظيم ، مأخوذين بأفكارها و فلسفاتها كتيار الأنسنة الذي قاده مجموعة من المثقفين و الفلاسفة و المفكرين و الذي انبثقت عنه فلسفات و إيديولوجيات تمخضت عنها اتجاهات و رؤى سياسية قامت على افكارها و مبادئها كيانات تنظيمية كان الهدف منها اصلاح أو تغيير النظم السياسية السائدة التي عانت منها جماهير القرون الوسطى و ما تلاها , وقد تبلور أول حزب في أوروبا على يد كل من ماركس و انجلس عندما أطلقا ما سمي { البيان الشيوعي } سنة 1848م و الذي شكلا على إثره { حزب البروليتاريا } أي الطبقة العاملة ليأتي بعده تنظيمات مماثلة لكن من منطلقات و أهداف مختلفة و متنوعة ، ففي الولايات المتحدة ظهرت احزاب ليبرالية سنة 1850م وهي عبارة عن تجمعات لأفراد يعتنقون نفس الافكار و الاهداف تنشط عادة ايام الانتخابات لكسب اصوات الناخبين بمغريات شتى يصوتون للأفراد انفسهم لذلك فالأحزاب في امريكا تكتسي بصبغة خاصة تتسم بالضعف و اللامركزية لذلك فالأحزاب التي تصل لسدة الحكم تسمى باسم المرشح الفائز في الانتخابات كإدارة ريغن أو بوش أو كلينتون و هكذا ، في حين أن الاحزاب السياسية في أوربا أكثر قوة و تماسكا و مركزية لذلك تسمى الحكومات باسم الحزب الذي يصل لسدة الحكم مثل حكومة العمال أو حكومة المحافظين وهكذا.
أما في العالم العربي فلم تعرف هذه الكيانات أو التنظيمات السياسية الا بعد الحربين العالميتين الأولى و الثانية بإيعاز و تشجيع من الدول الأوربية الاستعمارية عند بدايات تفكك الإمبراطورية العثمانية ، فشجعت كل من فرنسا و إنجلترا النزعات القومية التي نادت بتكوين الدولة القومية على أسس عرقية و مذهبية و أثنيه ، بعيدا عن العقيدة.
لكن كانت جماعة الاخوان المسلمين هي أول من أسس حزبا على أساس العقيدة الإسلامية ، ومنها تفرع عدد من الأحزاب الدينية نشأت جماعة الإخوان المسلمين في الإسماعيلية تحت إشراف الشيخ حسن البنا عام 1928م، كجمعية دينية هدفها التمسك بالدين وأخلاقياته لذلك سمي قائدها ” بالمرشد العام ” وفي عام 1932م،انتقل نشاط الجماعة إلى مدينة القاهرة ولم يبدأ نشاط الجماعة السياسى إلا في عام 1938م.بعد أن اشتد عودها و وضعت لنفسها قانونا أساسيا على غرار باقي الأحزاب.
وقد لاقت اقبالا كبيرا من طرف المواطنين و سرعان ما توسع نفوذها في باقي العالم العربي و الاسلامي , بل وحتى الغربي .نظرا للمبادئ التي قامت عليها و التي تهدف إلى بعث الروح الدينية و جمع شمل المسلمين بعد تفكك الإمبراطورية العثمانية التي كانت حاضنة لهم في مواجهة العالم الصليبي.
لكن مع مرور الزمن و اشتداد المنافسات السياسية بين الأحزاب للوصول للسلطة , انغمست الجماعة أو الحزب في الصراعات الساسية مستندة لبرنامج قوي أساسه الشريعة الإسلامية التي كانت تلهب مشاعر الجماهير الاسلامية.
لكن و في بوثقة ذلك استسلمت الجماعة لتثبيت موقع الكيان الحزبي وشعاراته في الساحة السياسية أكثر من وفاءها للعقيدة الإسلامية التي قامت عليها وفتحت أبوابها للمستفيدين و المفيدين لها بالاتجاه السياسي دون النظر إلى عقيدتهم الراسخة أو التزامهم بالدين.
بل خاضت صراعات خفية و معلنة مع بعض التيارات و الأحزاب التي ترتكز على نفس العقيدة الإسلامية مثل ما حصل إبان ثورة 25 يناير 2011 بمصر ،ضد بعض التيارات الاسلامية مثل الجبهة السلفية.
من هنا يتضح أن كل فكر أو عقيدة إذا ما وضع في إطار تنظيفي يصبح مهددا بالاختراق و الانحراف عن الفكرة أو العقيدة التي أسس عليها لأن الأعضاء سيكونوا ملزمين بضوابط الجماعة أو التنظيم وتحت رحمة قياداته و مؤطريه بما يسمى عند جماعة الاخوان بمبدأ ” السمع و الطاعة ” الذي جاء ضمن القانون الأساسي للجماعة .و الذي يكون حصريا لمكتب الإرشاد.
هذه الثقافة التي دشنتها هذه الجماعة كانت وبالا على المسلمين لا نها جعلت قطاعات عريضة من المسلمين ينخدعون بالشعارات الاسلامية التي رفعتها بعد ذلك تنظيمات تحمل شعارات إسلامية.
لكنها لا تفي أبدا للعقيدة و إنما لمشاريع صهيونية تعمل على هدم الأمة من الداخل مثل تنظيم ” داعش ” الذي ساق خيرة ابناء الأمة للفتن و الهلاك و القتال في ساحاتنا الداخلية بدل توجيه سهامهم للعدو الصهيوني و كيف يوجههم لذلك وهو من أسس هذا السرطان و وضع على رأسه عملاءه و أعوانه.
و بالنظر لخريطته التي حدد فيها دولته الاسلامية المزعومة ، ستجدها تشمل فقط الدول العربية من المحيط الى الخليج باستثناء الدولة الصهيونية المغروسة في قلب الوطن العربي و الاسلامي هذا دون أن تحدث عن أوربا و أمريكا و كأنها غير معنية بهذه الدعوة الربانية التي جاءت للعالمين.
لقد حرص الاسلام منذ فجر دعوته على محاربة الوثنية و تعدد الآلهة حتى يكون الدين كله خالصا لله و تثبيت مبدأ الوحدة حتى لا يتفرق المسلمون إلا أن هذه التنظيمات عملت على عكس هذه المبادئ حيث اجتهدت في تعميق التعلق بالحزب أو الجماعة لدرجة ما أسماه الدكتور فريد الأنصاري في كتابه ” الأخطاء الستة للحركة الإسلامية في المغرب ، انحراف استصنامي في الفكر و الممارسة ” بحيث صار لهم فكر يقدس الكيان التنظيمي و مخلص له أكثر من العقيدة نفسها.
وقد يختلف لدرجة التقاتل مع من هم خارج التنظيم و إن قالوا ربنا الله و استقاموا ليصلوا بعد ذلك لما أسماه الأنصاري في نفس الكتاب ” الشرك الخفي ” لأنهم اتخذوا من دون الله هياكل تنظيمية و شيوخ كأرباب أخلصوا لهم السمع و الطاعة من دون الله بمشاعر جاهلية لسان حالها يقول كما قال المشركون ” إنها تقربنا إلى الله زلفى “.
لقد اجتهد بنوا إسرائيل في وأد هذه الدعوة الجامعة منذ أن سطع نورها و كانوا مدركين أن خير وسيلة لذلك هي تجميع المسلمين ضمن مجموعات و تيارات متفرقة ثم إيقاظ الفتن بينهم إما على أسس مذهبية أو عرقية أو فكرية ليدخلوا في صراعات مميتة لأرواحهم و حضاراتهم و وحدتهم فيذهب الله بنورهم.
عندما مر بنوا اسرائيل بجماعة تعبد الأصنام ، اعجبوا بالفكرة و طلبوا من موسى أن يجعل لهم آلهة مجسدة ليلتفوا حولها و يعبدون الله من خلالها . لكنه قابلهم برفض قاطع و اتهمهم بالجهل .لأن ذلك سيحولهم لعبادة الأصنام و الهياكل سواء كانت مادية أو تنظيمية على غرار ما يحدث اليوم من تقديم التنظيم على العقيدة.
جاء في سورة الأعراف قوله تعالى : ” وجاوزنا ببني إسرائيل ٱلۡبَحۡرَ فأتوا على قومٖ يعكفون على أصنامٖ لهم قَالُواْ يا مُوسَى اجعل ل لنا إلها كَمَا لهم ءَالِهَةٞۚ قَالَ إنكم قومٞ تجهلون (138) إِنَّ هؤلاء مُتَبَّرٞ مَّا هم فِيهِ وباطلٞ مَّا كَانُواْ يعملون (139) قَالَ أغير ألله أبتغيكم إلها وَهُوَ فضلكم عَلَى العالمين (140).
ومع ذلك وما أن غاب عليهم حتى أقنعهم السامري بتشكيل الإله على صورة عجل . أحسن صنعه فكان مقنعا لتتحول العبادة من الله العلي إلى ذلك الهيكل.
” وَٱتَّخَذَ قَوۡمُ مُوسَىٰ مِنۢ بَعۡدِهِۦ مِنۡ حُلِيِّهِمۡ عِجۡلٗا جَسَدٗا لَّهُۥ خُوَارٌۚ أَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّهُۥ لَا يُكَلِّمُهُمۡ وَلَا يَهۡدِيهِمۡ سَبِيلًاۘ ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَٰلِمِينَ ” الأعراف (148).
أما في بدايات الدعوة المحمدية . فلم يتوقف كيد الكفار و من آزرهم من المنافقين ضد الإسلام و المسلمين . فكان ” مسجد الضرار ” كمحاولة يائسة لتحريف عبادة المسلمين و إدخالهم في صراعات داخلية.
فما قصة هذا المسجد و علاقته بتفريق المسلمين و ضرب وحدتهم ؟ بني هذا المسجد بدعوة من ابو عامر الراهب ، الذي دعاه الرسول الأكرم لمعانقة الدين الإسلامي ، لكنه أبى و استكبر ، و عزم على وأد هذه الدعوة في مهدها ، فاستنصر الروم الذين كان على ديانتهم ، فتبادلوا الأفكار و الرسائل إلى أن إنبثقت هذه الفكرة الجهنمية ، فكرة بناء مسجد يضاهي مسجد قباء ، المسجد الذي يجمع كل المسلمين ، ثم بدأ بجمع مؤيديه من المنافقين الذين تظاهروا بالإسلام وشرعوا في بناءه الى أن اكتمل ، فدعوا الرسول عليه الصلاة و السلام للصلاة بهم فيه ليعطوه المزيد من المشروعية.
إلا أن الرسول عليه السلام كان على سفر إلى تبوك . و في طريق عودته نزلت عليه الآية الكريمة في سورة التوبة :
” والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون * لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين * أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به فى نار جهنم والله لا يهدى القوم الظالمين * لا يزال بنيانهم الذى بنوا ريبة فى قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم}. [التوبة: 106 – 110].
أدرك عليه السلام أنها خدعة من الكفار و المنافقين للتفريق بين المسلمين ، وأنه لم يبنى على تقوى من الله لخدمة المسلمين و إنما كان وكرا للخديعة و الكيد للمسلمين و تفريق صفوفهم . لذلك أمر الرسول عليه السلام بهدمه و إحراقه.
و على نفس المنوال و لحد الآن مازال الكفار و المنافقون ينهجون نفس النهج للتفريق بين المسلمين و إدخالهم في صراعات و تقاتل في عقر دارهم و عقيدتهم . حتى كثرت لدينا التيارات و المذاهب و الفرق الدينية . ناهيك عن مساجد الضرار التي انتشرت لخدمة نفس الهدف إضافة لتنظيمات أحسنت السيطرة على قلوب و عقول بعض المسلمين. حتى لم يعد المسلم يتجه إلى بيت الله ليؤدي صلاته بل لمسجد فلان أو علان ليسمع عظاته ، أو للمسجد التابع للتنظيم ليعبر عن إخلاصه ويؤكد تبعيته . بل و يمكن أن يخاصم أو يقاتل أخوه المسلم نصرة لهذا الشيخ أو التنظيم.
فإن وصفت هذه الحالة عند الدكتور الأنصاري ” بالشرك الخفي ” فما وصلنا إليه الآن هو شرك معلن فالدماء تسيل حول أولى القبلتين ، وهناك من هو قاعد ينتظر الأمر من شيخه أو التنظيم الذي يدين له بالولاء وقد نسي أمر الله و رسوله.
من حكمة الله أن جعل هؤلاء خانعون ضائعون ،لا هون في صراعاتهم المنبثقة من نعرات جاهلية . قذف في قلوبهم الوهن وقد تملكتهم عقيدة “العجل” المتمثل في التنظيم فلم يخلصوا لله العبادة و صارت مساجدهم ضرارا . فرقت بين المسلمين أكثر مما جمعتهم.
أما الله سبحانه فلا يتقبل العبادة و الجهاد إلا ممن اخلص العبادة له وحده و لن يكرمهم أبدا بالشهادة أو المشاركة في” طوفان الاقصى ” هذه المعركة الفاصلة بل جعلها معركة الإباء و الطهر والوعد يقودها رجال أخلصوا العبادة له وحده تخضبها دماء أطهر الخلق دماء البراءة.
إنهم الرجال الذين قال فيهم في سورة الإسراء : ” فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولا ” الآية 5
فتحية لرجال الله من المقاومة الفلسطينية في كل الأرض المحتلة . الله معكم وهو ناصركم . ولن يلحق بكم إلا من أكرمه الله بصدق إيمانه ولم يتلوث بوثنية التنظيمات و لا ضلالهم.
للتواصل مع الكاتبة argana_63@live.fr