يعتبر سمل العيون أحد أساليب التعذيب البشعة والوحشية التي تستهدف الإذلال والتعذيب الجسدي. يتم تنفيذها باستخدام أدوات حادة وجارحة مثل السكاكين المحمرة بالنار، أو الأدوات الحديدية المدببة، أو المسامير الكبيرة، أو حتى بواسطة مخالب وأظافر بشرية قاسية ومتوحشة. يتم تنفيذ هذا النوع من التعذيب من أجل إفقاد الضحية إمكانية الرؤية، مما يعد مصيرًا أسوأ من الموت بحد ذاته.
عن ﺃﻧﺲ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﻗﺎﻝ:سمعت ﺍﻟﻨبيﻳﻘﻮﻝ<<ﺇﻥ ﺍﷲ ﻗﺎﻝ:ﺇﺫﺍ ﺍﺑﺘﻠﻴﺖ ﻋﺒﺪﻱ بحبيبتيه ﻓﺼبر،ﻋﻮﺿﺘﻪ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﺍلجنة>> ﻳﺮﻳﺪ ﻋﻴﻨﻴﻪ.
عن أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه- كما في الصَّحيحينِ-: “قدِمَ أُناسٌ من عُكْلٍ أو عُرينةَ، فاجْتَوَوا المدينةَ”، أي: كَرِهُوها لسُقمٍ أصَابهم، “فأمَرَهم النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بلِقاحٍ، وأنْ يَشْربوا من أبوالِها وألْبانِها، فانْطَلقوا، فلمَّا صَحُّوا، قَتَلوا راعيَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، واستاقوا النَّعَمَ، فجاء الخبرُ في أوَّلِ النَّهارِ، فبعَثَ في آثارِهم، فلمَّا ارتفَعَ النَّهارُ، جِيءَ بهم… الحديثَ”، وهنا اقتَصَر المصنِّفُ على قولِ أنسٍ رضِيَ اللهُ عنه: “إنَّما سمَلَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أعيُنَ أولئك؛ لأنَّهم سَمَلوا أعيُنَ الرُّعاةِ”، وسمَلَ أعيُنَهم، أي: فقَأَها؛ مُعاقبةً بمثْلِ ما فَعَلوه في الرَّاعي، ونزَلَتْ فيهم آيةُ المُحاربةِ”، وهي قولُه تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33].
وفي الحديثِ: المُعاقبةُ بالمثْلِ، وذلك بأمْرِ الحاكمِ أو القاضي.
لقد تم توثيق قلع العيون، وهو شكل شنيع من أشكال العقاب، في العديد من الحضارات القديمة عبر التاريخ, وهي الرومان، وقدماء المصريين (الفراعنة)، والإغريق القدماء.
استخدمت الإمبراطورية الرومانية، المعروفة بنظامها القانوني المتطور، أساليب عقابية وحشية. تم استخدام قلع العيون كوسيلة للتعذيب وكرادع ضد الجريمة وغالبًا ما كان مخصصًا للجرائم الخطيرة أو كوسيلة لانتزاع المعلومات من السجناء. وكان الهدف هو زرع الخوف وفرض الهيمنة. ومع ذلك، من المهم أن نلاحظ أن الرومان كان لديهم مجموعة واسعة من العقوبات تحت تصرفهم، بما في ذلك الصلب وقطع الرأس والجلد.
وتشير السجلات التاريخية إلى أنه في عهد الإمبراطور نيرون في القرن الأول الميلادي، كان يتم قلع أعين السجناء والأفراد الذين يعتبرون أعداء للدولة. ومع ذلك، من المهم أن نلاحظ أن مثل هذه الممارسات لم تكن مقتصرة على حكم نيرون ولكنها حدثت في فترات مختلفة من التاريخ الروماني. على الرغم من أن قلع العيون لم يكن ممارسة واسعة الانتشار، إلا أنه تم استخدامه أحيانًا كوسيلة للتعذيب والترهيب. في مصر القديمة، كان الفراعنة يتمتعون بالسلطة المطلقة، وكانت أساليب عقابهم قاسية في كثير من الأحيان. تم استخدام قلع العيون كشكل من أشكال العقاب والسيطرة على المجرمين والسجناء. على الرغم من أن الأسماء والمواقع المحددة قد تختلف، إلا أن الأدلة التاريخية تشير إلى أنه تم استخدام قلع العيون خلال فترات حكم فرعونية معينة، لاستعراض قوة ووحشية الطبقة الحاكمة. في مصر القديمة، كان الفراعنة يتمتعون بسلطة هائلة، وكانت أساليب عقابهم تعكس سلطتهم. كما كان لدى اليونانيين القدماء، المشهورين بمساهماتهم في الفلسفة والفن والحكم، حالات قلع العيون كشكل من أشكال العقاب. خلال السنوات الأخيرة من الإمبراطورية الرومانية، عندما كانت اليونان تحت الحكم الروماني، هناك روايات عن استخدام قلع العيون كوسيلة للتعذيب والإكراه. تسلط هذه الأمثلة الضوء على تأثير الممارسات الرومانية على الأراضي اليونانية المحتلة.
وتاريخيًا، جاء في قوانين شريعة حمورابي في تاريخ العراق القديم أنه في حالة سمل العين، يجوز للشخص المتضرر أن يقوم بسمل عين الشخص المسبب للأذى. ولكن بدأت ظاهرة سمل وفقدان العيون في العهد الأموي بشكل أوسع وأكثر رعبًا. وكما ذكر الكاتب رشيد الخيُّون “كان أول المسمِّولين في التاريخ العربي الإسلامي، أوان العهد الأموي، داعية الثورة العباسية عمار بن يزيد خداش، سمَله أسد بن عبد الله القسري(ت120هـ). وسمِّل مروان بن محمد، آخر خلفاء الأمويين، يزيد بن عبد الله القسري أن قلع عينيه بأصابعه، كان السامَّل والمسمَّول شقيقا قاتل الجعد بن درهم خالد بن عبد الله القسري. وسمَّل أبو جعفر المنصور شخصاً شتمه، بدق أوتاد في عينيه (موسوعة العذاب، عن تاريخ الطبري).
ومن حوادث السمَّل الجماعي أن سمِّل ملك الروم (توفيل)، السنة223هـ، أهل زبطرة، وقطع آذانهم وآنافهم. وسمّل أبو تغلب الحمداني، السنة 363هـ، جماعة كثيرة مالت إلى عز الدولة البويهي (ت367هـ) بالموصل. وسُملِّت بأمر الأمير جاولي سقاوو، السنة 500هـ، أعين جماعات من أهل الموصل مع قطع الأيدي وجدع الأنوف، وغير هذا كثير. أما السمَّل بقصد تعطيل الأهْلِّية للحكم، لأن حاسة البصر شيء ضروري من شروط الإمامة، فأبشع مَنْ مارسها شاه شجاع (ت787هـ) وأخوته ضد والدهم، حاكم العراق وإيران، محمد بن مظفر بن منصور، الذي حاول أن يجد لسلطانه وجهاً شرعياً، بعد إنهيار الخلافة العباسية على يد المغول التتار السنة 656هـ، فوجد أميراً عباسياً وقلده الخلافة، ولقبه بالمعتضد بالله. وكان شجاع ولياً لعهد والده، فانقلب عليه وأودعه السجن بقلعة سرمق، فأتفق ولي العهد وأخوته على سمِّل عيني والدهم، ليتولوا الحكم مكانه (موسوعة العذاب عن التاريخ الغياثي).”
وفي سنه ( 946م ) دخل البويهيون من ايران وهم شيعة زيدية بقيادة ( احمد بن بويه ) الملقب ( معز الدولة ) بغداد محتلين في عهد الخليفة العباسي ( المستكفي بالله ) حيث قاموا بسمل عيون الخليفة ( المستكفي بالله ) بهدف خلعه وكذلك سملو عيون خلفه الخليفة ( المطيع لله ) واصبح خلفاء العهد البويهي العوبه واضحوكة بيد الايرانيين الذين اخذوا دور الاتراك لغاية نهاية عهدهم سنه ( 1050م ) حيث انهارت سطوتهم نهائيا وكان اخر خليفة في عهدهم هو (القائم بامر الله) … وكانت فترة حكمه هزيلة وضعيفة. وتلاه العهد السلجوقي التركي مرة اخرى من ( 1055 _ 1152م ) ويعتبر اواخر العهد العباسي المهزوز ثم جاء الطوفان والغزو المغولي الذي بدأ ( 1245 م ) لحين سقوط بغداد على يد هولاكو سنة ( 1257 م ) وتبعها حكم الايلخانيين والجلائريين واسرة قراقونيلو واسرة اق قلويلنو (الخروف الابيض والاسود) والصفويين واسرة كلهر الكردية والاتراك والعثمانيين الى الاحتلال البريطاني عام ( 1917 م ).
اللهم احمي اعيننا من الأمراض والسمل والقلع والمياء الضارة ابيضها وأزرقها.
للتواصل مع الكاتب adel_al_baker@hotmail.com