اليوم/ الأربعاء، التاريخ ١٤٤٥/٩/١٧، يوافق تاريخ غزوة فاصلة من تاريخ المسلمين، ألا وهي غزوة بدر الكبرى هذه الغزوة العظيمة نزلت فيها آيات في آل عمران والأنفال، وهي جديرة بأن يوقف عندها، لاستلهام الدروس، واستخراج العبر.
أولا: كانت في رمضان في السابع عشر منه، ورمضان شهر البركات والانتصارات والفتوحات.
ثانيا: لم يستعد لها المسلمين، لأنهم جاؤوا للعير، ولكن تقدير الله فيه مصلحة عظمى، وهو خير من تقدير البشر.
ثالثا: صدق الأنصار وثبات سعد بن معاذ حين عرض بهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو يستشير أصحابه، لأن اتفاقه مع الأنصار أن ينصروه داخل المدينة، فقال سعد: فاظعن حيث شئت، وصل حبل من شئت، واقطع حبل من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت، وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لأمرك، فوالله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان – وهو جنوب مكة ٥٠٠ كلم – ، لنسيرن معك، ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر خضناه معك.
وقال له المقداد: لا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون)، ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك، ومن بين يديك ومن خلفك.
ثالثا: كان عدد المسلمين ثلاثة مئة وبضعة عشر رجلا، وكان المشركون في تسع مئة رجل، وانتصر العدد القليل على العدد الكثير، لأنه – كما قال ابن القيم -: “النصر بالتوكل عليه، لا بالكثرة ولا بالعدد”. زاد المعاد، ٢١٢/٣.
رابعا: إنزال المطر رحمة وثبيتا للمؤمنين، وعذابا ونقمة على الكافرين (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجس الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام).
خامسا: نزول الملائكة لتثبيت المؤمنين ونصرهم (إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب…)، والرعب جند من جنود الله، وكأن الحق – جل جلاله – يقول: إذا تعطلت أسباب الأرض، فلن تتعطل أسباب السماء.
سادسا: من علامات نبوته – عليه الصلاة والسلام -: كان يشير قبل الغزوة بيده: “هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان إن شاء الله” فتحقق ذلك.
سابعا: شدة تعلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بربه في أحلك الظروف، حتى ناشده الصديق وقال: بعض مناشدتك ربك، فإنه منجز لك ما وعدك، (إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم).
ثامنا: أخذ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بكفه من الحصباء فرمى بها في وجه العدو، فانشغلوا بالتراب في أعينهم، وشغل المسلمون بقتلهم (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى).
قال ابن القيم – رحمة الله عليه -: “ومعنى الآية: أن الله سبحانه أثبت لرسوله ابتداء الرمي، ونفى عنه الإيصال الذي لم يحصل برميته، فالرمي يراد به الحذف والإيصال، فأثبت لنبيه الحذف ونفى عنه الإيصال”. زاد المعاد، ٢١٣/٣.
تاسعا: الحرب مع الله خاسرة بالغة ما بلغت، استفتح أبو جهل – عليه لعنة الله – في ذلك اليوم قائلا: اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرفه فأحنه الغداة، اللهم أينا كان أحب إليك وأرضى عندك فانصره اليوم، فأنزل الله: (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين). الأنفال.
عاشرا: أحيانا يكون النصر في جهة غير متوقعة، لما انقضت غزوة بدر وقف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على القتلى فقال: “بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم، كذبتموني وصدقني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس”.
(انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيم، ٢٠٠/٣ وما بعدها، ط١- ابن حزم).
للتواصل مع الشاعر Abdurrahmanalaufi@gmail.com