أعيش وقت غريب على روحي شاق على جسدي مرهق لعقلي فقد جرفت العولمة معها من عاداتنا وتقاليدنا الكثير والجميل وشيء من توصيات هدينا النبوي الى هاوية الغربة بمسمى التطور والحضارة.
لم تعد الأسر كما بالسابق ذات الكيان القوي بمشاعر الود والمحبة بين أفراد أسرتها ولم يعد المجتمع يتطبع بطابعه العربي الأصيل كما في السابق حيث الحكم النبوية وموروثاتها الأخلاقية.
أصبحت أعيش غربة مشاعر , غربة أماكن , غربة ذكريات عزيزة على قلبي . وغربة كيان لمجتمع مترابط كالبنيان المرصوص اشتقت لحياة البرآءة والفطرة النقية بكل أشكالها , هواء دون رائحة الغازات الكيماوية , مياه الشرب من الأبيار الطبيعية , لا معدنية صناعية.
وغذاء من أرض تربتنا الطاهرة الندية , لا مثلجات من الدول الغربية , ومجتمع يرتدي أفراده رداء الحشمة العربية الأصيلة , لا رداء الفحش والمجون البربرية.
كم اشتقت لرؤية نخلاتنا عماتنا الباسقات في كل أرجاء مدينتنا النبوية , شامخات في أعالي السماوات حاملات مميلات لأفضل الثمرات من تمر ورطب وزهوات حمروات طيبات.
وصوت مضخات مياه الابار تنتشر بصداها في أرجاء البساتين مع بزوغ الفجر فتجري المياه في قناطرها لتسقي أرجائها من شجر وعشب وفاكهة وخضروات.
وتهب نسمات عليلة من الورد والفل حينا , ومن النعناع والدوش واللمام والريحان منعشات . جنة الدنيا عطاء رب السماوات أحن الى زيارتنا الى جبل أحد ( جبل من الجنة ) حيث قصص الغزوات المحمدية والبطولات.
أحن إلى زيارات الأقارب في أوقات الضحوات على البساطة والمودة وأجمل الضحكات كلن بعمره يتبادل الحكايات , وأوقات السحر تحلو بأبيات من الشعر والدانات , يتبادلن إللقائها خالاتنا وعماتنا برفقة الجارات.
أحن لصلاة العيد وتجهيزات إستقبالة . ترتيب منزلنا , وملابسنا, وصنع المعمول والغريبة المدينية للمعيدين تقديمات , وأهم تجهيزاتنا شنطة العيد لجمع المعايدات (هه هه ) وحلمنا الجميل لجمع النقود من الزيارات والمعايدات.
ولصلاة العيد (المشهد ) بهجة وفرحة لا تعادلها فرحة . حيث رؤية أهالي مدينتنا في مكان واحد بأجمل هيئة , والسعادة تملأ أعينهم ببلوغهم يوم الفائزين برحمة رب العالمين.
فنشاهد الأطفال كفراش محلق في أرجاء ساحات الحرم الشريف منتظرين لحظات بزوغ الفجر لسماع التكبيرات بدءا بالعيد السعيد.
ويجتمع شعوران مختلفان بهذا الوقت , شعور بعظمة الشعيرة عند ترديد التهليلات والتكبيرات , والبهجة والسرور بطلوع الشمس ( فتلك أمنية طفولتنا لعدم تمكنا من السهر فجرآ ونحن صغارا) بصحبة الأهل والأقارب والجيران وتبادل الحلوى وأرق البسمات والتبريكات.
كم كانت جمعتنا ودودة حنونة برفقة والدينا وجميع أفراد أسرتنا حين نقوم بزيارة أقاربنا , وزيارة الأماكن المقدسة وإقامة الصلوات كانت بيوتنا صغيرة بمساحتها , كبيرة بأعيننا ورحابة صدورنا وقلوبنا النقية.
وقصة النوم على سطح منزلنا قصة جمال من نوع آخر , بحديث الأخوة عن جمال النجوم وبريقها وإحصاء اعدادها ,وتتبع الهلال حين يصير بدرا , وتأتي سكرة النوم ويخيم الصمت علينا , ويسرح بصرنا وخيالنا في فضاء الله الفسيح سبحان الخالق العظيم.
وهناك الكثير مما أفتقدناه في بهرجة الحضارة يأخذنا الحنين له بين حين وآخر . وكثيرا من العادات والتقاليد الجميلة التي ورثناها عن أهلنا فقدت بريقها وبهجتها عندما أندثر طابعها المميز بدعوى التحضر.
(( رباه رجوتك أن تزول غربة أرواح تعيش في أوطانها ))
للتواصل مع الكاتبة @khateerym