قال الله تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ۚ كَذَٰلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿٥٧ الأعراف﴾ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴿٢٢ الحجر﴾ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ﴿٤٨ الفرقان﴾ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿٤٦ الروم﴾ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴿٢٢ يونس﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴿٩ الأحزاب﴾.
في الآيات السابقة كان هناك ذكر للريح بأشكال وصفات مختلفة, منها الطيب ومنها غير ذلك. ماله علاقة في موضوعنا هنا هي الرياح الطيبة والمبشرة بالخير من غيث وزرع. تلعب الرياح دورًا هامًا في عملية تلقيح الأشجار الطبيعية. في العديد من الأنواع النباتية، تنتج الأزهار طلعات رفيعة تُسمى الأجنِحة اللواقح، وتحتوي هذه الأجنحة على الحبوب اللقاحية التي تحمل الخلايا. عندما تهب الرياح، يتم نقل هذه الأجنحة من ذكر النبات إلى أنثى النبات، حيث يتم تلقيح البويضات وتكوين البذور. يعتبر تلقيح الاشجار الطبيعي بواسطة الرياح منتشرًا بشكل رئيسي في الأشجار ذات الزهور الصغيرة والغير مُبَرِّدَة، مثل أشجار الصنوبر والسرو والبلوط والبتولا والأوزين والدوار الشمسي وبعض أنواع العشب. تُنتشر الأجنحة اللواقح عبر الهواء وتحملها الرياح لمسافات بعيدة قبل أن تترسب على الأزهار المؤنثة لتلقيحها. تعتبر هذه العملية أساسية لتنمية واستدامة الغطاء النباتي في الطبيعة، حيث تساعد على توزيع الجينات والتنوع الوراثي بين الأشجار وتعزز تكاثرها. تعد الأشجار التي تتلقى التلقيح الطبيعي بالرياح مهمة جدًا في النظم البيولوجية، حيث توفر الغابات والمناطق الخضراء والحدائق العديد من الفوائد البيئية والاقتصادية والاجتماعية.
وعلى مر التاريخ، لعبت الرياح دورًا مهمًا في تشكيل المساعي البشرية والعالم الطبيعي. من المساعدة في الاستكشاف البحري إلى التأثير على طرق الطيران، وحتى تسهيل تلقيح النباتات، أثر اتجاه الرياح وقوتها على جوانب مختلفة من حياتنا. يُعد نهر المسيسيبي مثالًا رئيسيًا لكيفية تأثير اتجاه الرياح على مجرى التاريخ. واجه البحارة والمستكشفون التحدي المتمثل في الإبحار في مياهها، حيث يمكن لاتجاه الريح أن يحدد ما إذا كانت رحلتهم عبارة عن صراع شاق في اتجاه مجرى النهر أو رحلة سريعة في اتجاه مجرى النهر. وقد أدى ذلك إلى تطوير تقنيات مبتكرة مثل القوارب البخارية وعجلات التجديف، والتي أحدثت ثورة في النقل النهري والتجارة. لعبت الرياح أيضًا دورًا أساسيًا في تشكيل عصر الاستكشاف. واجه البرتغاليون، الذين كانوا يبحثون عن طريق بديل لثروات الهند، التحدي المتمثل في الرياح السائدة في المحيط الأطلسي. وللتغلب على هذه العقبة، سخروا قوة الرياح التجارية، مما أدى إلى اكتشاف طرق جديدة وإنشاء شبكات تجارية حيوية. لعبت الرياح دور الحلفاء والخصوم، حيث قامت بتوجيه المستكشفين نحو أراضٍ جديدة أو محاصرة هم في المياه الغادرة.
وفي مجال الطيران، لا تزال الرياح تشكل عاملا حاسما في تخطيط الطيران والسلامة. يجب على الطيارين التعامل مع الرياح المعاكسة، والرياح المتقاطعة، والرياح الخلفية، ولكل منها آثارها الخاصة على كفاءة استهلاك الوقود، ومدة الرحلة، والأداء العام. وقد مكنت دراسة التيارات الجوية، مثل التيار النفاث، شركات الطيران من تحسين مسارات الطيران وتقليل أوقات السفر، مما يعزز كفاءة وموثوقية السفر الجوي.
لقد تركت الرياح علامة لا تمحى على نسيج تاريخ البشرية والنظم البيئية. فمن الملاحة في الأنهار واستكشاف الأراضي الجديدة إلى تحسين مسارات الطيران وتلقيح النباتات، شكلت الرياح مسار مصيرنا. لقد أدى فهم قوة الرياح وتسخيرها إلى تقدم تكنولوجي ملحوظ وتقدير أعمق للترابطات المعقدة داخل العالم الطبيعي ويظهر التطبيق واضحا حين تتقدم الطائرة على المدرج الرئيسي وحين عبورها الى الممرات الرئيسية او الجانبية. ومع استمرارنا في الاستكشاف والابتكار، ستظل الرياح بلا شك قوة ترشدنا وتلهمنا.
للتواصل مع الكاتب adel_al_baker@hotmail.com