مفتي مصر لـ الكفاح نيوز – سوف نواصل المسيرة في مواجهة الجماعات المتطرفة لحماية المجتمعات من أفكارهم الضالة بكل الطرق العلمية.
المفتي يتعامل مع حالات بشرية متنوعة يختلف حالها وبناؤها الفكري والنفسي والعقلي.
نحتاج لخطاب منطقي وعقلي يأخذ بأيديهم وينقذهم من الوقوع في براثن الشذوذ الفكري.
ظاهرة الطلاق تمثل أحد التحديات الجديدة التي تواجه العلاقات الأسرية.
النفقة على الأبناء من الأمور التي لا يحق للأب التهاون فيها.
الزواج العرفي أو الطلاق الرسمي ثم الاستمرار في العلاقة الزوجية سرًا للإبقاء بالتحايل على المعاش، يُعَد نوعًا من التحايل على أحكام الشريعة والقانون.
دار الإفتاء المصرية أحد أهم مراكز الفتوى في العالم الإسلامي. أُنشئت عام 1895م (1313هـ).
في عام 2021م صدر قرار فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي باعتبار دار الإفتاء من الجهات ذات الطبيعة الخاصة.
نسعى إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية، أبرزها: تنسيق الجهود بين دور الفتوى عالميًا لبناء خطاب ديني وسطي يواجه التطرف الفكري.
صحيفة الكفاح نيوز بمكتب القاهرة تلتقي في هذا الحوار المطول مع مفتي الديار المصرية – الدكتور محمد محمد النظير الذي تحدث فيه بكل أرحية بعد تكلفيه لدار الإفتاء المصرية.
* – بعد تكليفكم بالإفتاء، ما هي الرؤية المستقبلية للعمل في دار الإفتاء؟
**- دار الإفتاء مؤسسة لها تاريخ من الإنجازات سواء على المستوى المحلي أم الدولي، وهي تعمل وفق رؤية منهجية منضبطة تقوم على التعاون على مستوى فريق العمل بها، فضلًا عن التعاون مع المؤسسات المختلفة داخل مصر وخارجها من أجل تقديم خدماتها والمساهمة بشكل مباشر في الاستقرار المجتمعي من خلال ضبط النظام الإفتائي الذي يرتبط بحياة الناس وتعاملاتهم وعلاقاتهم المتنوعة ومن هنا فإن مؤسسات الإفتاء في عمومها لابد وأن تكون لديها رؤية تطويرية مستمرة للتفاعل مع القضايا والأحداث المتجددة، وهو ما نعمل عليه حاليًا ومستقبلًا، فركب التطور في العالم لا يتوقف وهو ما يجعلنا حريصين كل الحرص على التناغم الإيجابي مع هذا التطور والاستفادة من خدماته.
*- الجماعات المتطرفة وداعش وغيرها تظهر بفتاوى غريبة تخالف الإسلام فكيف يتم التعامل معها وهل سيكون الرد إفتائيًا أم فكريًا؟
**- ما قدمته دار الإفتاء وستقدمه خلال الفترة القادمة بمشيئة الله له دور مهم في مواجهة هذا الفكر المنحرف، فقد أسهمت دار الإفتاء في تفنيد شبهاته والدر عليها بمنهجية علمية وعقلية تؤكد على زيف ما يطرحون كما تقطع العلاقة بين أطروحاتهم لهذه المغالطات الفكرية وبين صحيح هذا الدين الذي أراد الله أن يكون سبيلًا لاستقرار الكون وإعماره لا لتدميره، ولذلك سوف نواصل المسيرة بأمر الله في مواجهة هذه الجماعات المتطرفة لحماية المجتمعات من أفكارهم الضالة بكل الطرق العلمية والعقلية بما يغلق جميع الأبواب أمام ما يسعون لتحقيقه من أجندات على حساب هذا الدين الذي لا يعرف العنف من قريب أو بعيد.
*- هل المعتبر الأساسي في الفتوى هو التخصص الفقهي أم الإدراك الفكري؟
**- الفتوي فن وصناعة تحتاج إلى الجانبين فالمفتي يتعامل مع حالات بشرية متنوعة يختلف حالها وبناؤها الفكري والنفسي والعقلي، ولابد للمفتي قبل إصدار الفتوى أن يكون على إلمام بشخصية المستفتي ودراية كاملة بمستوى تفكريه وما يستهدفه من سؤاله، ومن هنا تجد أن الفتوي تختلف باختلاف حال السائل تمامًا، ولذلك فإن دار الإفتاء لا تتوقف عن تدريب وتأهيل المفتين من المنضمين لجدد لأمانة الفتوى لأجل تقديم خدمة مكتملة تحقق مقاصدها.
*- ما هي المعتبرات الأساسية في تناول القضايا الإفتائية العامة خاصة مع التنوع الديني داخل الوطن؟
**- بالطبع القضايا العامة الحديث فيها يأخذ في اعتباره الكثير والكثير لكنه يقوم على أساس هو تحقيق الصالح العام، وعلى قاعدة أن درء المفسدة مقدم على جل المصلحة، وكلاهما يخدم الواقع المجتمعي وفي إطار التعاون المشترك بين المؤسسات الدينية في مصر سواء من جانب اللقاءات النقاشية أو التدريبات المشتركة، فإن السعي لتوحيد المنظومة الإفتائية ضرورة بدأت ثمارها تظهر في الأفق، وأعتقد زن المرحلة القادمة ستشهد الكثير من التعاون بين هذه المؤسسات لخدمة الدين والوطن.
*- كيف تستوعب دار الإفتاء حالات الشذوذ الفكر؟
** – دار الإفتاء كغيرها من المؤسسات المختلفة في الدولة لابد وأن تتسم بثقافة الاحتواء فالصدام مع مثل هذه الأفكار لا يجدي نفعًا، وإنما نحن في حاجة جميعًا إلى فتح باب للحوار فالفكر لا يواجه إلا بالفكر، فكثيرًا ما يحتاج من تأثر بما يُروج من أفكار شاذة وغريبة عن ديننا وثقافتنا وحضارتنا إلى خطاب منطقي وعقلي يأخذ بأيديهم وينقذهم من الوقوع في براثن هذا الشذوذ الفكري، خاصة وأننا في عالم الإنترنت والعالم كله منفتح على بعضه فلن تستطيع بحال من الأحوال حجر هذه الأفكار الشاذة بل الأولى مواجهتها وتفنيدها وتقديم الردود المنطقية عليها والتي تضمن بيان وهنها وسلبياتها.
*- نرى في الآونة الأخيرة انتشار حالات تطلب فيها الزوجة الطلاق لأسباب قد تبدو بسيطة، ثم تستحوذ على ممتلكات الزوج، وقد تقبل حتى بالبقاء في نفس المنزل معه. ما تعليقكم على هذه الظاهرة، وما رأي الشريعة في هذا النوع من الطلاق؟
** – هذه الظاهرة التي تذكرها تمثل أحد التحديات الجديدة التي تواجه العلاقات الأسرية، وعلينا أن نفهم جذورها وأسبابها بعمق. فلقد باتت بعض الأسر تعاني من تزايد حالات الطلاق التي قد تحدث لأسباب بسيطة، وفي بعض الأحيان يكون القرار مبنيًّا على ردود أفعال سريعة دون تفكير متعمق في آثار هذا القرار على الأسرة والأبناء والشريعة الإسلامية شددت على أن الطلاق هو الحل الأخير، وأنه ينبغي أن يسبقه العديد من محاولات الصلح والإصلاح، وأن يُبذل جهدٌ لتقريب وجهات النظر. لا يمكن التهوين من أهمية أن تُبنى الأسرة على أسس قوية، وأن تُحل الخلافات بتفاهم وصبر، وليس بمجرد اتخاذ الطلاق كحل سريع.
أما الاستحواذ على ممتلكات الزوج بعد الطلاق، فهو أمر يجب أن يتم النظر إليه وفق القوانين المعمول بها في الدولة وتنظم هذا الأمر والشريعة معًا، لأن هناك حقوقًا للزوجة وحقوقًا للزوج، وكل منهما يجب أن يلتزم بالحدود الشرعية والقانونية التي تنظم هذه الحقوق. والعدل والمساواة في توزيع الحقوق مهمان، حيث أكد الإسلام على وجوب حفظ الحقوق ورفض الاعتداء عليها بأي شكل كان. إذا كان هناك ظلم في الاستيلاء على الممتلكات، فهذا يتنافى مع المبادئ الأخلاقية والشرعية التي أمر بها الله.
أما مسألة أن تبقى الزوجة في نفس السكن بعد الطلاق، فقد يحدث ذلك في بعض الحالات بناءً على ظروف معينة كوجود أطفال كونها أم حاضنة وهو أمر ينظمه القانون، ولكن لابد أن يكون ذلك ضمن إطار يحفظ الاحترام بين الطرفين ويحمي مشاعر جميع أفراد الأسرة، خاصة الأبناء. وقد أكد الإسلام على ضرورة التفريق بين الأزواج بعد الطلاق بطريقة لا تسبب أذى نفسيًّا للطرفين أو للأبناء والشريعة الإسلامية تحثنا على الموازنة بين الحقوق والواجبات، وتدعو إلى التحلي بالحكمة في إدارة الخلافات الزوجية، مع الحفاظ على كرامة كل طرف.
*- نلاحظ أن بعض الأزواج بعد الطلاق يمتنعون عن الإنفاق على أبنائهم إلا بعد صدور حكم قضائي يُلزمهم بالنفقة، وأحيانًا يتهربون من هذا الالتزام. كيف تنظر الشريعة إلى هذه الممارسات، وما واجب الأب تجاه أبنائه بعد الطلاق؟
**- النفقة على الأبناء من الأمور التي لا يحق للأب التهاون فيها تحت أي ظرف، فهي ليست مجرد واجب قانوني فحسب بل واجب شرعي وأخلاقي. والشريعة الإسلامية تُلزم الأب بالإنفاق على أولاده حتى لو وقع الطلاق بينه وبين أمهم، لأن الأولاد أمانة في عنق الأب، ولهم حق طبيعي في رعايته وكفالته وتعتبر النفقة واجبًا أصيلًا على الأب، حيث قال الله تعالى في كتابه العزيز: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف)، ويعني ذلك أن الأب مُلزم بتوفير النفقة على أولاده بما يضمن لهم حياة كريمة وتُحدد النفقة بناءً على حاجة الأبناء وحال الأب وقدرته، مع مراعاة المعايير التي تحقق توازنًا بين حقوق الجميع.
واللجوء إلى المحكمة لإجبار الأب على الإنفاق لا ينبغي أن يكون هو الحل الأساسي ولكن عند الوقوع في الخلاف، ولكن للأسف، بعض الأزواج يتجهون إلى التهرب من النفقة أو تقليلها، وهذا تصرف يناقض مبدأ الرعاية والتكافل الأسري الذي أكدته الشريعة الإسلامية ومثل هذا السلوك لا يؤثر فقط على حياة الأبناء، بل يزرع داخلهم شعورًا بالحرمان ويؤدي إلى مشكلات نفسية واجتماعية والشرع الشريف يأمر الآباء بتقديم الرعاية الكاملة لأبنائهم، سواء كانوا يعيشون معهم أو بعيدين عنهم، ويحثهم على إدراك قيمة الأبوة الحقيقية التي تشمل التضحية والرعاية وإذا كان الأب يرفض الإنفاق، فإنه يظلم أولاده ويضر بمستقبلهم وحياتهم، مما قد يؤدي إلى نشوء خلافات تؤثر سلبًا على الأسرة بأكملها. وعليه أن يتذكر أنه لا بد أن يستحضر واجبه الشرعي والإنساني تجاه أولاده، وأن يُنفق عليهم بسخاء وفق قدرته، وأن يبتعد عن الالتفاف على هذا الواجب عبر التهرب أو التقصير.
*- تلجأ بعض النساء إلى الزواج العرفي للحفاظ على معاش الزوج السابق أو أحد الوالدين، وأحيانًا تتفق الزوجة مع زوجها على الطلاق الرسمي ثم الاستمرار بالعيش معه عرفيًا بهدف الحصول على هذا المعاش. كيف تنظر الشريعة إلى هذه التصرفات، وما الحكم الشرعي فيها؟
**- ما ذكرتم من حالات يلجأ فيها بعض الأفراد إلى الزواج العرفي أو الطلاق الرسمي ثم الاستمرار في العلاقة الزوجية سرًا للإبقاء بالتحايل على المعاش، يُعَد نوعًا من التحايل على أحكام الشريعة والقانون، ويدخل في باب الغش والخداع الذي ترفضه الشريعة الإسلامية بشكل قاطع والزواج العرفي للحفاظ على المعاش الذي تستحقه الزوجة من زوج سابق أو أحد الوالدين المتوفين يُعَد تحايلًا لا يقبله الإسلام، لأن الشريعة تشدد على أن يكون المسلم صادقًا وأمينًا في معاملاته المالية، وألّا يتعمد الالتفاف على الأنظمة لتحقيق منافع مالية والزواج يجب أن يُعلن ولا يكون سببًا لحرمان الآخرين من حقوقهم أو لتحقيق مكاسب غير مستحقة. فالزواج يُبنى على الوضوح والأمانة، وأي مكاسب تتحقق بالتحايل لإبقاء المعاش يعدّ غير جائز شرعًا، وأكلًا للمال بالباطل لأنه ينتهك الأمانة التي دعا إليها الإسلام.
أما بالنسبة للطلاق الرسمي المتفق عليه بين الزوجين للاستفادة من المعاش أو منافع أخرى، ومن ثم الاستمرار بالزواج العرفي، فهذا أيضًا يعتبر تحايلًا وغشًّا، خاصةً إذا كان الهدف هو الحصول على أموال ليست من حق الزوجة أو الزوج. فالإسلام يمنع الحيل التي تُستَخدَم للإضرار بالآخرين وبالمال العام أو لتحقيق مكاسب مادية بطرق غير مشروعة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من غشنا فليس منا”، والغش في هذه الحالات يتضمن التحايل على القوانين لأخذ أموال عامة ليست حقًا للشخص.
*- ممكن إعطائنا فكرة عن دار الإفتاء المصرية.
**- تعد دار الإفتاء المصرية أحد أهم مراكز الفتوى في العالم الإسلامي. أُنشئت عام 1895م (1313هـ)، ومنذ ذلك الحين وهي تقدم الفتاوى الشرعية التي تتماشى مع مستجدات العصر، وتعمل على توضيح أحكام الدين في القضايا الحديثة والمعقدة التي قد يواجهها الناس وتقدم الدار رسالتها الشرعية لكل مسلم في أرجاء المعمورة، وتسعى إلى تحقيق ذلك بطرق معاصرة ووسائل متعددة تسهل الوصول إلى الفتوى.
*- هل لديكم ميزانية خاصة بدار الإفتاء المصرية؟
**- لتعزيز دورها وتطوير خدماتها، استقلت الدار ماليًا وإداريًا في عام 2007م، وفي عام 2021م صدر قرار من فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي باعتبارها من الجهات ذات الطبيعة الخاصة وتضم الدار إدارات متخصصة تؤدي خدماتها بفعالية، من بينها: إدارة الفتوى الشفوية، والفتوى المكتوبة، والفتوى الهاتفية، والفتوى الإلكترونية وتقدم الفتاوى عبر وسائل تتيح للجمهور المحلي والدولي التواصل بسهولة مع الدار، وإدارة الحساب الشرعي تهتم بالاستشارات المتعلقة بالمسائل المالية من مواريث وزكاة وغيرها وفق الأحكام الشرعية.
*- ماذا يميز دار الإفتاء المصرية.
**- هناك إدارة الأبحاث الشرعية والتي تعمل على البحث العلمي للقضايا الفقهية المعاصرة، وإدارة نبض الشارع التي تتابع قضايا المجتمع وتقدم الفتاوى التي تلبي احتياجات الناس وتجاوب على التساؤلات المطروحة، وإدارة الإرشاد الزواجي التي توفر النصح والإرشاد للأسر المصرية للمساهمة في استقرارها، وإدارة التدريب التي تعمل على تأهيل المفتين وتعزيز قدراتهم، وإدارة المركز الإعلامي وإدارة مواقع التواصل الاجتماعي تتولى نشر الفتاوى والتفاعل مع الجمهور عبر المنصات المختلفة.
*- ماهوا دور الأمانة العامة لدار الإفتاء؟
**- الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، فقد تأسست في ديسمبر 2015م بمقر دار الإفتاء المصرية ويترأسها مفتي الجمهورية بصفته، وهي هيئة عالمية متخصصة تهدف إلى تنسيق الجهود بين دور وهيئات الفتوى حول العالم لتعزيز استقرار المجتمعات ودعم الوسطية وقد جاءت هذه المبادرة عقب مؤتمر عالمي نظمته دار الإفتاء المصرية، انطلاقًا من أهمية توحيد الجهود بين هيئات الفتوى لمواجهة التطرف وإصدار خطاب ديني معتدل.
*- ماهي أهداف الأمانة العامة؟
**- تسعى الأمانة العامة إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية، أبرزها: تنسيق الجهود بين دور الفتوى عالميًا لبناء خطاب ديني وسطي يواجه التطرف الفكري، وتبادل الخبرات بين أعضاء الأمانة لتطوير الأداء الإفتائي، وتقديم الدعم العلمي والاستشارات لدول وأقليات إسلامية، لمساعدتها في إنشاء دور إفتاء محلية، ووضع معايير للإفتاء تسهم في ضمان جودة الفتاوى وفاعليتها، وبناء كفاءات إفتائية مؤهلة عبر برامج تدريبية تعتمد على تراكم الخبرات من الدول الأعضاء.
*- كلمة أخيرة فضيلة مفتي نختم بها هذا اللقاء.
**- أشكرك أخ عنتر على هذا اللقاء والشكر موصول لصحيفة الكفاح نيوز.
مفتي مصر
مفتي مصر يتحدث لـ الكفاح نيوز