
كان الحديث في الورقتين السابقتين عن المجتمع وكيف عني الإسلام به ، من حيث إن صلاح المجتمع صلاح للجميع وصلاح للأرض وهو الغاية الأسمى من الهدي الإسلامي.
وهنا نتكلم عن تربية الفرد ، كيف لهذا الفرد إذا خرج إلى المجتمع وكيف تكون تربيته معهم ، وما هي القيم التي ترسخت لديه والتي زرعها البيت فيه قبل أن يخرج إلى المجتمع. وأعظم التربية التي يمكن ملاحظتها على الفرد هي تربيته مع غير والديه وأهل بيته ، وكيف هي تربيته مع أولى الأرحام ، أقارب الأب والأم ، وكل من أوصى الله عز وجل بالتربية معهم والإحسان إليهم والبر بهم . قال تعالى : ( وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ )النساء/1. وقال تعالى : ( وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ ۗ ) الأنفال / 75 ، وقال جل شأنه : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ، أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ ) محمد / 22ــــــــ23 .
كل ذلك الوعيد لمن كان قاطعا للرحم، لأن صلة الأرحام من أكبر الدلائل على حسن تربية الفرد وحسن سلوكه ، وصلاح القيم التي اكتسبها من البيت الذي تربى فيه والقدوة الحسنة التي اقتدى بها من والدين وأخوة ، فإن كانوا على قيم سليمة وكانوا قدوة صالحة مع الأرحام بالصلة والإحسان ، فإن الأبناء سيكونون كذلك بعد توفيق الله تعالى . قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل سأله عن عمل يدخله الجنة : ( قال : تعبد الله ولا تشرك به شيئا ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم ) رواه البخاري ومسلم . وهذا الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري ــــــــ رضي الله عنه ـــــــ يقول : أوصاني خليلي ـــــ أي النبي صلى الله عليه وسلم ـــــــ ألا تأخذني في الله لومة لائم، وأوصاني بصلة الرحم وإن أدبرت ) رواه الطبراني . وقال عليه الصلاة والسلام : (الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بالعَرْشِ تَقُولُ مَن وصَلَنِي وصَلَهُ اللَّهُ، ومَن قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ) رواه مسلم.
هذه التوجيهات الربانية العظيمة والسنة النبوية الكريمة وهدي الإسلام القويم ، إنما هي تشريعات تحافظ على سلامة التربية للأفراد وصلاح المجتمع . فهل تمسكنا بهذا الهدي حتى نعيش في مجتمع آمن فكريا وسليم تربويا ، وبيئة صالحة تكللها الحياة السعيدة ؟!.