
بقلم – نزهة الإدريسي – المملكة المغربية
التطبيع هو مصطلح سياسي يقصد به إعادة أو بناء علاقات طبيعية مع دولة ما بعد قطيعة أو توتر كبير استدعى توقيف جميع الاتصالات و التعاملات .
وقد طغى هذا المصطلح مؤخرا على الفضاء السياسي العالمي و العربي بالتحديد بكل قوة بعدما طبعت بعض الدول العربية مع دولة إسرائيل. واصبحت عرضة لانتقادات كثيرة من بعض الدول ، ( وان كانت مطبعة يشكل من الأشكال ) , و منظمات من المجتمع المدني واحزاب سياسية ، كما اجتهد بعض شيوخ الدين في تحريمه استنادا لطبيعة العلاقة التي كانت قائمة بين اليهود و الرسول عليه الصلاة والسلام واختلاف الحالة حسب زعمهم ، فيهود زمانه لم يكونوا محاربين ولا محتلين ، بل كانوا مسالمين خاضعين للشروط الإسلامية بالعهد ، وقد قال الله عز وجل : “لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ” الممتحنة 8 , لكن يهود اليوم فهم محاربين و محتلين ولا يجوز التطبيع معهم .
و نقلوا لوعي الشعوب ان التطبيع مرادف للخيانة و التتازل على الحقوق الا أن ما يتجاوزه اصحاب هذا الرأي ان هذه المهادنة كانت مشروطه و كانت تعلق كثيرا إثر نقضهم للعهود الذي تكرر عدة مرات . وهذا لا يمكن ان يعطل مبدأ التعايش مع أصحاب الديانات الأخرى في إطار عهود ومواثيق تضمن للجميع حقوقهم الإنسانية دون اجحاف او غبن .
فقد عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم معاهدات بينه وبين كل الطوائف غير المسلمة في عصره، فكان وفيًّا بكل ما عاهدهم عليه امتثالاً لقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91]. ويُعَلِّق ابن كثير على هذه الآية قائلاً: “وهذا مما يأمر الله تعالى به، وهو الوفاء بالعهود والمواثيق، والمحافظة على الأيمان المؤكَّدة ” .
فالمحافظة على العهود والمواثيق التي تنظم العلاقات هي صلب القضية وليس التطبيع بحد ذاته ، فهناك علاقات طبيعية بل تاريخية و روابط دين و تاريخ بين دول كثيرة لكن العلاقات متوترة لحد القطيعة و الاقتتال .
أما فيما يخص يهود اليوم خاصة المحتلين للأرض المحاربين المجاهرين بالعداوة ، فالتطبيع لن يعفيهم من الخضوع للمعاهدات والمواثيق السياسية و الإنسانية والحقوقية تحت ضغط منظمات المجتمع المدني و القوى السياسية. هذه المنظمات التي اصبح لها تأثير متزايد في العقود الأخيرة ، بل لاعبا اساسيا داخل المجتمعات وعبر العلاقات العالمية كذلك . وتأتي أهميتها أيضا كونها تعبر عن حراك الشعوب ورغبتهم في تحقيق السلام و التعايش و العدالة ، بل انها اللاعب الأساسي في حلبة الصراعات الداخلية و الخارجية ويحسب لها حساباتها في النزاعات داخل الدولة او خارجها فهي اذن من يحدد طبيعة ( التطبيع ) .
للتواصل مع الكاتبة
argana_63@live.fr