
التقهقر الروسي ان صدق فليس بسبب قوة الخصم في أوكرانيا، فلم يولد بعد الجيش الذي يقصم ظهر الدب الروسي، ونتائج الحرب العالمية الثانية لاتزال ماثلة أمام أعيننا، وإنما يعود ذلك إلى عدم وجود قاعدة شعبية مؤيدة في روسيا للحرب على أوكرانيا، فبوتن جر الدولة لتقاتل ذاتها وعمقها الإستراتيجي، فعرقياً السلاف هم شعب مشترك، وعسكرياً كانت أوكرانيا إلى التسعينيات وهي الترسانة النووية للسوفيت، وتاريخياً كانت كييف في عصر من العصور هي العاصمة قبل موسكو، وكماهو معروف ان أي جيش في العالم عبر التاريخ لا يعطي نتائج إذا افتقد العقيدة القتالية، وهذه مصيبة روسيا، والدليل العدد الهائل من الهاربين عن التجنيد، وعرض الجنسية الروسية على المرتزقة مقابل التجنيد في صفوف الجيش الروسي، والعدد الكبير مما سمي بالخونة وهم الجنود الذين كانوا يسربون لأبناء جلدتهم في أوكرانيا معلومات عن خطط بوتين لخ.
هذا داخلياً، أما دولياً، فتوعك روسيا في حربها الراهنة، يعطينا مؤشراً أن روسيا ليست أكثر من لاعب إقليمي لم يبلغ بعد أو يصل لأن تكون قطباً لمواجهة الغرب، وهذه بعض المؤشرات:
– إقتصاد الدول المضادة (الغرب) لروسيا=٥٣ ترليون$
-إقتصاد روسيا ومن حازبها أقل من ١٦ مليار$
– ميزانية روسيا نصف ميزانية بريطانيا، وربع إنتاج ولاية كلفورنيا.
– روسيا هي الإقتصاد ال١١ عالمياً، حتى كوريا ج قبلها.
-صادرات شركة أديداس الألمانية للمستلزمات الرياضية (23مليار$) يفوق عائد ما تنتجة مكنة صناعات الأسلحة الروسية التي لا تتجاوز (15مليار$) فقط، فكيف ستكون المقارنة مع عائدات البورش والبنز مثلاً!
-عائدات الايفون الامريكية فقط تساوي٣٥٠ مليار$، وهذا الرقم قريب من ميزانية روسيا.
-الدولة التي لا تحيز بوليصة تأمين بيع النفط في لندن، تبقى سفن نفطها في ممرات البحار الدولية، ولا تدخل أي ميناء الا بتلك البوليصة، ولا تصرف المستحقات الا بصورة من هذه البوليصة (تبيع مجاناً بكيفها).
– وهذا يعني ان العقوبات كارثية على روسيا، فهي شبه مشلولة تماما، بعكس ما يردده السطحيون المنجرفون وراء باربجندا إعلام الملتهبين المكابرين الموهومين بان حل قضايانا يأتي من موسكو.
أما سياسياً، فالعالم اصطف خلف أمريكا للضغط على موسكو وبشكل شبه مطلق ظاهراً وخافياً، ومنذ الحرب على اوكرانيا توغل الناتو في شرق اوروبا بما لم يتوغله في الحرب الباردة، فضم السويد وفلندا (هلسنكي) عاصمة حلف وارسو سابقاً، كما أن الغرب اتحد بعد الحرب على أوكرانيا، وقد كان مفرقاً بعد البريكست،
وعليه، وكما تقول المؤشرات، ليس أمام روسيا الا حل من اثنين:-
اما ان (تخشع) أي تنسحب وتعيد نشر قواتها في أراضيها واما ان تكبس الزر النووي، وعليَّ وعلى أعدائي، وبئس الخيار، فهو بالظبط مثل الداعشي الذي يفجر نفسه وخصمه معاً، وليس أمامها خيار ثالث أمام هذا التفوق المطلق لأمريكا، فالذي تضعه أمريكا في رأسها بكبسة زر تشل حركته دون أن تحرك جيوشها المؤللة والطائرة والسابحة بالمحيطات.
أما عربياً، وهذا ما يهمنا، فهذا التقييم لموازين القوى، وكيف نوظفها في صالح قضايانا، فلم يستوعبه الكثير منا، خاصة الملتهبين من العرب، فمبكراً وضعوا بيضهم في السلة الخطأ بالإصطفاف خلف روسيا، وهذا سببه الرئيس ان لدينا إرث ناصري وقومجي وبعثي لا يحسن التقدير، يعود لثلاثينيات وخمسينيات وستينيات القرن الماضي، فبالثلاثينيات راهن أمين الحسيني على نازية هتلر ودول المحور، وبخسارة دول المحور الحرب الثانية، خسرنا نحن فلسطين ووضعنا اللبنة الأولى لضياعها، وبالستينيات أخذنا المد الناصري إلى موسكو، ولم نفق من لوثتها القومجية إلا على نكبة ٦٧ وبالسبعينيات أخذنا مد البعث العربي مجدداً إلى موسكو في رهان جديد خاطيء بقيادة صدام حسين، ولم نفق أيضاً إلا بشنق صاحبه وشنق أحلامنا معه، وفتح بوابة الشرق (العراق) على مصراعيها أمام إيران لتدخل أربع عواصم عربية.
نذكر بهذا، وبه نختم، كي لا ننسى مع مرور السنين ان (الهوى العربي الشرقي) لايزال متغلغلاً داخلنا، وأنه بحاجة إلى المبادرة بإجتثاثه كي لا تكرر رهانات بني يعرب الخاطئة.
للتواصل مع الكاتب 503744842 966+