التعلم له عدة تعريفات ولكن ما اِسْتَصْلَحَهُ هو ما يعرفه أغلب المختصين التربويين بأن التعليم هو مجموعة الخبرات التي يتلقاها المتعلم والتي تسهم في تشكيل معارفه وقدراته فإذا اتفقنا على هذا التعريف اصطلاحًا فلا بد لك أن تتفق معي بأن فترة التعليم عن بعد خلال الجائحة كانت عصرًا جليديًا للتعليم في العالم كله حيث إن هذه الخبرات أصبحت محصورة وقد تكون مفقودة بسبب تحول التعلم إلى عن بعد وافتقاره للتجارب الواقعية والتواصل الطبيعي داخل البيئة التعليمية رغم النجاح الذي حققته المملكة العربية السعودية في التعليم الإلكتروني والتجربة الرائدة التي فاقت العديد من الدول والتي لربما تعد هي أفضل تجربة للتعليم عن بعد حسب ما أشادت به منظمة الأمم المتحدة. إلا أن من خلق ليزحف لا يمكن له أن يطير وهذه ببساطة حقيقة التعليم عن بعد حيث إن التعليم عن بعد هو حل ناجح لكثير من المشاكل التعليمية مثل نقص الكوادر وكثرة أعداد الطلبة وعدم جاهزية المباني ولكن كما أسلفت فإنه لا يعطي تجربة تعليمية كاملة حيث تشير أحدث الدراسات التي أجريت بعد الجائحة في الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق شركة ( curriculum associate ) حيث أجرت دراستها على ما يتجاوز 2 مليون طالب لقياس مستوى تطورهم في القراءة والرياضيات حيث اكتشفت تأخر ما بين ١٠ إلى ١٦ بالمئة من مجموع الطلاب مستوى دراسيا واحدا عن أقرانهم في فترة ما قبل الجائحة.
وأشارت الدراسة إلى أن الفروقات أكبر في المدراس التي تكون في مجتمعات نائية خارج المدن. هذه الدراسة تنبأ بخطر كبير وحيث إني أؤمن بأن آثار هذا العصر الجليدي لم تظهر بعد حيث أتوقع ظهورها جلية بعد مرور عامين من الآن وبحلول خمسة أعوام من تاريخ بدء الجائحة حيث لاحظت كمعلم أن هذه الفترة أثرت على الطلاب حيث يفضلون المشاركة من خلف الشاشة على الواقع وظهرت جلية كذلك في تردي مستوى خطوط الطلاب وقدرتهم على الإملاء لاعتمادهم على الأجهزة الإلكترونية للكتابة والتصحيح الإملائي.
هذا إذا اكتفينا بالمستوى الأكاديمي والحقيقة أن أبعاد الجائحة كانت أكبر من الحدود المعرفية حيث أثرت نفسيًا كما لاحظت على الطلاب وأصبح أغلبهم منطويًا ولا يرغب في المشاركة والعزلة وافتقارهم لبعض السمات التي كانت تظهر من زملائهم قبل الحاجة. والتساؤل الذي نطرحه هنا ما الذي قامت به وزارة التعليم لقياس أثر الجائحة؟ وما الذي قامت به للتعافي من آثار هذه الفترة؟
لربما يعتقد البعض أن تلافي آثار هذه الجائحة أصبح صعبًا بحكم مضي عامين والحقيقة لا هذه أفضل فترة للتعافي والتعافي يحتاج عدة أمور من وجهة نظري كتربوي وعضو هيئة تدريس.
أولًا: لا بد لنا من قياسات حقيقة دقيقة ليس فقط لمستويات الطلاب الدراسة بل لخصائصهم النفسية والعقلية وقدرتهم على التواصل وبناء العلاقات حيث أن أول خطوة لحل المشكلة هي الاعتراف بوجودها.
وثانيا: في حال التأكد من وجود خلل سواء على الصعيدين الأكاديمي أو النفسي يجب إنشاء مراكز حكومية مؤقتة توفر دعما مباشرا للمتضررين على شكل دورات مكثفة للتعافي أكاديميًا مثل تقديم دروس إضافية خارج أوقات الدوام أو في الإجازات أو في إجازات نهاية الأسبوع لتعويض المفقود وكذلك يجب أن يتواجد في هذه المراكز مختصون نفسيين واجتماعيين أكفاء للوقوف وعلاج الآثار النفسية للجائحة ومحاولة بناء شخصيات اجتماعية لدى الطلاب الذين انعزلوا خلال الجائحة.
وثالثا: نحتاج لتوعية أوليا الأمور وحثهم على التجاوب مع القياسات والخطط العلاجية لأن دورهم يعتبر حجر الأساس في نجاح أي عملية تعليمية أو علاجية. وغيرها من الحلول التي لا بد للوزارة من الاستئناس بها من المختصين وأصحاب الخبرات والممارسين في الميدان حيث أن هؤلاء هم الذين يلامسون حجم التغيير الذي نتج من بعد الجائحة.
للتواصل مع الكاتب Fehaidmesfer@gmail.com