الحمد لله رب المشارق والمغارب، خلق الإنسان من طين لازب ثم جعله نطفة بين الصلب والترائب. وخلق منه زوجه وجعل منهما الأبناء والأقارب
نحمَده تبارك وتعالى حمد الشاكرين ونصلى ونسلم على خير الأنام والخلائق سيدنا محمد وعلى آله وصحبه تسليماً كثيراً أما بعد.
للأسرة في الإسلام هوية ربانية، وشخصية إيمانية تتصل بقيمه، وتسترشد بأحكامه، حيث منّ الله تعالى على البشر بنعمة الرباط الأسري، وفي القرآن الكريم تذكير بهذه المنة في آيات كثيرة منها: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} (النساء: ١) وقوله تعالى: {وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} (النحل: ٧٢) وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا} الفرقان:54 وقوله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} الروم: ٢١).
ومكونات الرباط الأسري المذكور في هذه الآيات هي: السكن، والمودة، والرحمة، والقرابة بالبنوة، والنسب، والمصاهرة. وهي مكونات قيمية تعطي الأسرة تماسكا، وتحمي نسيجها من التفكك.
إن الأسرة في الإسلام تكليف أكثر منها تشريف لذلك لم تنطلق الدعوة الإسلامية الا بعد تكوين الأسرة لما لها من دور إيجابي في التنمية والإصلاح والتقدم ولا شك أن عماد الأسرة هو الفرد كما أن عماد المجتمع هي الأسرة والمجتمع عماد الأمة وهي المراحل التي تدرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى فإنه انطلق بالدعوة بداية من زوجه إلى أهله وأصدقائه ثم عشيرته ثم إلى قبيلته ثم إلى باقي القبائل وهو نموذج مثالي في الترقية في عملية الإصلاح الاجتماعي وتطهير الأخلاق. إن شأن الأسرة في كل أمة شأن عظيم، وما يصيبها ضررُه على الفرد والمجتمع ضرر جسيم، لذلك تحتاج إلى إحكام وتحصين، ومناعة تصد بها الغارات الوافدة، وتواجه بها التحديات المحيطة، والمشكلات العارضة. حيث تعيش الأسرة المسلمة في بحر هائج، وفي محيط مضطرب، يستهدف هويتها الدينية وشخصيتها الإيمانية، وتفكيك بنيتها الاجتماعية، والتقليل من قيمتها التربوية، ووظيفتها الإصلاحية وكلها تحديات ومخاطر توجب علينا البحث عن المخارج والحلول التي توصل إلى أن تكون أسرنا مستقرة ثابتة على القيم الفطرية الإنسانية التي جعلها الله عزوجل لها شرعة ومنهاجا. لذلك جعل النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه الأمن سببا من أسباب السعادة، ومقوماً من مقومات الاستقرار حين قال: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ؛ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا) الحديث حسن. ولأهمية الأمن ابتدأ به صلى الله عليه وسلم باعتبار أسبقيته وضرورته، ولكونه أصلا ينبني عليه غيره، ويحصل به ما دونه. ولهذا نجد أن الأسرة مصطلح يشير عند اللغويين العرب إلى معاني الحصانة والمناعة فهي عند ابن منظور:( الدرع الحصينة) ولن تكون كذلك إلا إذا كان من سماتها (( الصلابة النفسية ) فالصلابة النفسية تساعد على التوافق الشخصي، والاجتماعي، والمهني، والزواجي، حيث تجعل الإنسان في حالة رضا عن نفسه، وتعطيه القدرة لمعرفة امكاناته وقدراته وتوجيهها نحو أهداف يستطيع تحقيقها بالفعل، وكذلك فهي تساعده على إقامة علاقات جيدة مع الآخرين في البيئة المحيطة، سواء كان ذلك في محيط الأسرة، أو محيط العمل والمهنة، فهو دائما قادر على مواجهة جميع الظروف والتكيف معها مهما كانت قسوتها وصعوبتها. والأسرة التي تتميز بالصلابة النفسية سواء (الزوج ـ الزوجة ـ الأبناء) عند مواجهة مشكلات وصعوبات الحياة تكون من الأسر الحكيمة التي ينتشر فيها إدراك أحداث الحياة الشاقة بشكل غير مشوه وتفسيرها بطريقة منطقية وموضوعيه والتعايش معها بشكل إيجابي. والتقدير لجميع الأفراد والاحترام المتبادل والقيام بالحقوق والواجبات والتأثير على الأبناء وعلى نظرتهم لأنفسهم وعلاقاتهم في المجتمع ونظرتهم للأمور. اهتمامها الأكبر ليس بمن يقود الأسرة هل هو الأب أو الأم أو الأبناء أكثر ما يهمهم الاستقرار والأمان وتلبية الاحتياجات وتوفير الحب والحنان. هذه النقاط المهمة تحملنا المسؤولية على بث ونشر مفهوم السلام النفسي داخل الأسرة بطريقة صحيحة بعيدا عن التحكم والسيطرة فمفهوم الصلابة النفسية والسلام الداخلي إنما هو نوع من انواع تحريك الأسرة نحو أهدافها، وكل ما كان هذا المفهوم صحيحا في أذهان الازواج والزوجات والأبناء ساعد ذلك على بث روح التعاون والمحبة وتنمية المهارات الحياتية وشعور الرضا والسعادة اللذين هما أساس الصحة النفسية والاستقرار.
فالصلابة النفسية لا تكتسب بسهولة بل هي صفة يطورها الإنسان خلال حياته (وتتأكد قبل تخطيطه للحياة الزوجية) عبر تعامله مع مجموعة واسعة من الأشخاص المميزين والمؤثرين وتعرضه لدورات وبرامج تعليمية تربوية يتعرف من خلالها على أهم العوامل التي تساعد على تعزيز الصلابة النفسية ومنها: ـ (الالتزام. التحدي. الثقة بالنفس ( والنتيجة بإذن الله تعالى يكون من أولئك الذين تمتعوا بثمرات الصلابة النفسية والسلام الداخلي طوال حياتهم مع أسرهم وداخل مجتمعاتهم ومن أهم تلك الثمرات: ـ
1. الإيمان التام بالله وبأقداره، فكلما ازداد إيمان ويقين الإنسان بقضاء الله وقدره، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، كلما ازدادت الصلابة النفسية لديه ((عَنْ أبي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَان قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَه ((رواه مسلم.
2. امتلاك مستوى مرتفع من مهارات حل المشكلة، فضلاً عن القدرة على التفكير قبل الفعل. وبالتالي التروي وتجنب الاندفاع، مما يقلل من احتمالات الأخطاء أثناء التفاعل الاجتماعي مع الآخرين.
3. تحويل الضغوط والأزمات إلى فرص للنمو الشخصي والتطوير والتحسين.
4. الصلابة النفسية تمكن أفراد الأسرة من الإدارة الإيجابية للانفعالات والمشاعر على مستوى التفهم والتنظيم والضبط، في إطار عام من الثقة والتعاون.
5. القدرة على إدارة أفراد الأسرة لحياتهم بفاعلية وتقليل احتمالات المعاناة من الاكتئاب والقلق.
6. المساعدة على سرعة وفاعلية التعافي عند وقوع الابتلاءات واتخاذ اجراءات الحماية والوقاية.
حفظ الله الأسر المسلمة من كيد الكائدين وأقامها على ما يرضي ربها، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آلة وصحبه وسلم تسليماً كثيراً