
بقلم – جمال بنت عبدالله السعدي – المدينة المنورة
ارتبط الإنسان بموطنه حيث ولد و نشأ وترعرع ، حتى باتت هذا الأرض التي ينتمي إليها جزءا أثيرًا لقلبه، لصيقا بنفسه ،ضرورة حياة كما الغذاء و الهواء والماء لا غنى له عنها.
وقد ترجم الشعراء هذه العاطفة في الكثير من أبياتهم منذ عصور قديمة ، مما حفظ لنا هذه المواقع وأبرز معالمها وجغرافيتها وجمالياتها -على الأقل بنظر الشاعر وعاطفته – الذي أفلح في تصوير هذه الجماليات وكأني بهم قد سبقوا عصر الصور الفوتوغرافية والأفلام الوثائقية .
فيكفي أن نقرأ الأبيات التي تغنوا بها ، وبثوا فيها مشاعرهم ، و لواعج أفئدتهم .. حزنا وفرحا و شوقا و توقا ، لتستشعر تلك الأحاسيس التي انسكبت فيها لتعيش الأجواء ، وترى الصورة كاملة واضحة المعالم والملامح .
وفي كتاب الدكتور – تنيضب الفايدي “معاهد و شواهد ” في شعرية المكان ، تجد نفسك أمام دليل سياحي جغرافي و ثائقي ، يتطلب منك القيام بمغامرة إن كنت ممن يحب الاستكشاف والتعرف على المواقع، و الوقوف على المعالم التي جاءت في أبيات الشعراء منذ العصر الجاهلي، مرورا بالعصور الأخرى حتى الزمن القريب .
و هنا نجد أنفسنا حرفيا أمام شوق يشدنا الى مكة وجبالها والمدينة وبساتينها و وديانها و نواحيها ، و لشموخ نجد و هضبتها و ريح صباها ، و وديان تهامة وسحر عسير و أجوائها، و قد شمل بتناوله الوطن أجمعه شماله وجنوبه شرقه وغربه .. ابتداء من امرىء القيس الذي تغنى بسقط اللوى والدخول فحومل الى طرفة ابن العبد الذي وقف على أطلال خولة في برقة ثمهد ، مرورا بزهير بن أبي سلمى الذي أحب مواطن محبوبته في حومانة الدرَّاج ، والمتثلم والرقمتين .
ولا ننسى دار عبلة بالجواء حين طالبها عنترة بالتكلم قائلا :
يا دار عبلة بالجواء تكلمي
وعمي صباحا دار عبلة واسلمي
وحتى حين حنّ بلال الى مكة وجبالها وشوارعها وأسواقها ، رغم ما ناله من عذاب واضطهاد كان قلبه معلق فيها حين قال :
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
بواد وحولي أذخر وجليل
و هل إردن يوما مياه مجنّة
وهل يبدون لي شامة وطفيل
مجرد ذكر هذه المواقع يثير الخيال والعاطفة، ويحفز الهمم للقيام بجولات استكشاف هذه المعاهد والشواهد التي عهدها الناس قديما، وسطروها في أشعارهم ،و وثقوا مواقعها وما تتميز به من عوامل جوية و نباتات برية عطرية لا يزالون يشتمّون عبيرها، و يداعب عاطفتهم شذاها وذلك بدافع الحب للوطن وللديار وأهلها والأحباب فيها حيث النشأة والمسكن .
قراءة ماتعة وجولة رائعة على صفحات هذا الكتاب البديع .
soyaah.com/25831/
للتواصل مع الكاتبة Jelsaadi58@gmail.com