شاهدت لقاء العلامة د/ بشار عواد معروف على قناة الثقافية السعودية وقد كرمه الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – في عام ١٤٣٩ بجائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية. وهذه بعض الفوائد من هذا اللقاء الممتع المفيد: عام ١٣٧٤ حج بشار عواد معروف من العراق ومر بالرياض ولم يكن هناك شارع مزفلت إلا واحد. واستغرقت الرحلة من مكة إلى المدينة يومين.
قلت: أما الآن في عام ١٤٤٥ ففي ثلاث ساعات ونصف، فاللهم لك الحمد كثيرا، كما تنعم كثيرا وكان الأول على القسم والثاني على الكلية في قسم التاريخ في كلية الآداب والعلوم في العراق طيلة البكالوريوس.
وكان متأثرا بعمه العلامة ناجي معروف وهو رئيس قسم التاريخ وله كتب عظيمة، من أشهرها: “عروبة العلماء المنسوبين إلى بلدان أعجمية وهم من أرومة عربية”، وهو يفند ما ادعاه ابن خلدون من أن أكثر علماء الملة هم من غير العرب في تاريخه، وهو مبتدئ في التاريخ، نقل مجلدا كاملا عن ابن الأثير ملخصا، أما “مقدمة ابن خلدون” فأثنى عليها د. بشار، وأفاد بأنه خرج أحاديثها.
وقال بأن تاريخ ابن خلدون ليس مصدرا أصيلا يرجع إليه، وأفضل منه الطبري وابن كثير والذهبي وابن الأثير.
المشهور أن اسم تاريخ الطبري “تاريخ الأمم والملوك” عدله د. بشار إلى “تاريخ الملوك وأخبارهم وموارد الرسل وأنبائهم”.
درس على عمالقة التاريخ: صالح أحمد العلي، والعلامة جواد علي ألف كتاب “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام”، قال د. بشار لم يؤلف كتاب مثله مطلقا. وممن تتلمذ عليه: عبدالعزيز الدوري، وطه باقر ومحمود الأمين.
وكان لزاما أن يتعلم لغتين لغة أوروبية ولغة شرقية، فتعلم الإنجليزية والألمانية١٩٦٢- يعني ١٣٨٢ تقريبا تعين موظفا في المكتبة المركزية في جامعة بغداد وكان عمه العلامة ناجي معروف يقول عنه: “هذا دودة كتب”، لملازمته الكتب.
ويقول بأن كلية الآداب في العراق في ذلك العصر أفضل حتى من الجامعات المصرية وكان أستاذه صالح العلي رأى نجابته أول دخوله الكلية فأمره أن يأتيه في بيته، وصار كل أسبوع يعطيه كتابا يطلب منه تلخيصه وإبداء رأيه فيه.
١٩٦٤ تخرج في الجامعة وكان المرشح لدراسة الماجستير معه خمسة طلاب، وأخفق اثنان، ومن نجح معه عماد الدين خليل، وأكرم ضياء العمري.
وأحد الأساتذة الزائرين درسهم وكان معه ست عشرة لغة، وهو ألماني وقال بأن المستشرقين الألمانيين لهم خصوصية في الدراسات الاستشراقية تميزهم عن الإنجليز والفرنساويين كثيرا.
في ١٩٦٧ – ١٣٨٧ تقريبا مناقشة رسالة الماجستير وهي تحقيق كتاب “التكملة لوفيات النقلة للصفدي”، حققه في ثمانية مجلدات، واستمرت المناقشة ست ساعات، ومنح درجة الامتياز، وهو أول حاصل على هذه الدرجة في جميع الأقسام في الدراسات العليا في العراق.
وكان ينشر أبحاثا كثيرة خلال تسع سنوات بين الماجستير والدكتوراه وفي عام ١٩٧٦- ١٣٩٦ تقريبا أصدر كتابه “الذهبي ومنهجه في تاريخ الإسلام” نال به الدكتوراه، بقي فيه أربعة أشهر.
ويعرف خط الذهبي وابن تيمية والبرزاني والمزي وابن كثير والصفدي، لكن الذهبي أكثر، لكثرة مزاولة التحقيق.
أسس الجامعة الإسلامية في العراق الذهبي أصيل في تراجمه من الطراز الأول، فهو يعيد صياغتها ولا يكتفي بالنقل كالصفدي حيث الغالب عليه النقل.
وقال بأن أفضل من ترجموا هما: الذهبي وابن رجب الحنبلي مما تميز به الذهبي الحس النقدي والإنصاف.
تاريخ الإسلام للذهبي ضمنه ثلاثين ألف ترجمة.
في القرن الثامن بعد التدمير المغولي لبغداد ازدهر العلم في الشام خاصة ومصر، وظهر عمالقة ومبدعون، منهم: علاء الدين البرزاني، شمس الدين الذهبي، جمال الدين المزي، شيخ الإسلام ابن تيمية، صلاح الدين الصفدي، ابن رافع السلامي، ابن رجب، تقي الدين السبكي، ابن كثير الدمشقي، أبو الحسين اليونيني، ابن مالك صاحب الألفية.
تميزوا بالأصالة والشمولية وجودة التأليف والدفاع عن الإسلام “تهذيب الكمال للمزي” كتاب عمري، قضيت فيه اثني عشرة سنة في التحقيق، ضمنه ثمانية آلاف ترجمة، وأخرجه في خمسة وثلاثين مجلدا حققت شرحي الموطأ: التمهيد والاستذكار، كل منهما سبعة عشر مجلدا.
الموطأ به سبعة آلاف حديث تقريبا، بقيته أقوال للصحابة وفتاوى مالك العز ابن عبدالسلام – رحمه الله – يقول: كتابان لا نظير لهما: المحلى لابن حزم، والمغني لابن قدامة.
أحمد كان يكره التمذهب، وكذلك ابن حزم المحلى لابن حزم نتاج فكري الأخير في علم الحديث علم الحديث تشرب في نفسي تشربا لا مثيل له في الدنيا وأصبحت لي آراء جديدة خاصة في علم العلل.
ابن حزم شنع كثيرا على الحنفية ثم المالكية ثم الشافعية، وكان يمدح كثيرا ابن عبدالبر المالكي مع أنهم أحرقوا كتبه وطردوه.
“التمهيد” لابن عبدالبر صناعة حديثية و “الاستذكار” صناعة فقهية الإخوة في مصر ساروا على الطريقة الاستشراقية في تحقيق المخطوطات، وهو العزو إلى المخطوطة دون التصحيح وأيهما أصح، وهذه طريقة خاطئة.
“التقريب لابن حجر” لخص فيه “تهذيب الكمال للمزي” في ستة أشهر من كبار المحققين وعظمائهم عبدالرحمن المعلمي اليماني.
من تحقيقات د. بشار “كشف الظنون لحاجي خليفة”، وجمع أخطاءه في ست مئة وخمسين صفحة التحقيق علم أصيل عند المسلمين.
كتابي “ضبط النص والتعليق عليه” يدرس في كثير من الجامعات العمل على تحقيق المخطوطات عندي عشق ومهنة ونزهتي فيها.
“سلسلة التراجم الأندلسية” في أكثر من اثنين وعشرين مجلدا بتحقيقي البصرة نشرت مذهب مالك في الخليج كله أحسن كتاب في المغازي كتاب الواقدي مع أن المحدثين يقولون: متروك.
يصح تطبيق منهج التحقيق في الروايات الحديثية على الروايات التاريخية ولا يصح تطبيق الأحكام في ذلك.
أفضل من كتب في الأنساب ابن الكلبي في “النسب الكبير” أخذه من ديوان العطاء الذي عمله عمر رضي الله عنه ووزعه على القبائل.
أفضل من كتب عن الفتوحات وحروب الردة هو سيف بن عمر، وهو متروك عند المحدثين أحسن من كتب عن تاريخ العراق زمن الدولة الأموية هو لوط بن يحيى، وهو متروك عند المحدثين.
ابن حجر قال عن سيف بن عمر: متروك في الحديث، ثقة في التاريخ، وهذا إنصاف عظيم ابن مخنف متروك في الحديث، ثقة في التاريخ، والكلبي متروك في الحديث، ثقة في الأنساب.
مقدمات الكتب التي حققتها تخرج في خمسة آلاف صفحة تقريبا “تاريخ مدينة السلام للخطيب البغدادي” لا يمثل الحياة الفكرية في بغداد. واسمه الحقيقي “تاريخ مدينة السلام وأخبار فضلائها الأعلام، وما وردها من علماء الأنام”.
“تاريخ دمشق لابن عساكر” تأثر بكتاب الخطيب البغدادي “تاريخ مدينة السلام” أكثر كتاب استمتعت بتحقيقيه “تهذيب الكمال للمزي”.
وفي أول طلبي للعلم استمتعت بكتاب “التكملة لوفيات النقلة” ليس عندي كتاب لم أستطع إكمال تحقيقه.
كتاب تمنيت تحقيقه “المغني لابن قدامة الحنبلي” رسالتي في الماجستير تحقيق كتاب “التكملة لوفيات النقلة” في ثمانية مجلدات، أستحق على كل مجلد دكتوراة، وذلك في عام ١٩٦٧- ١٣٨٧ تقريبا، وكان عمره سبعة وعشرين عاما.
كل يوم عملي يبدأ بعد الإفطار إلى الظهر ثم بعد الغداء إلى المغرب خلا يوم الجمعة، للقاء أولادي، وكل يوم أزداد علما بجهلي.
للتواصل مع الشاعر Abdurrahmanalaufi@gmail.com