تزداد الأمراض الوراثية في المملكة بشكل لافت عنها في دول الغرب ، خاصة أن زواج الأقارب يشكل 60% من إجمالي الزواجات ، فيه تكثر المجتمعات المغلقة (زاوج أقارب عبر الأجيال من السلالة نفسها) فكلا الزوجين يحملان نفس الجين المرضي، تُعرف بالأمراض الوراثية المتنحية وهي الأكثر انتشارًا ، وللعلم فحص ما قبل الزواج هو للأمراض الأكثر شيوعًا وليس جميعها ؛ اثنان لأمراض الدم الوراثية ( فقر الدم المنجلي والثلاسيما ) واثنان لأمراض معدية ( التهاب الكبدي الوبائي B” و C” والإيدز… ).
الأمراض الوراثية ليست محصورة في زواج الأقارب وإن قلت عنه ، فقد يكون الزوجان من بيئة مختلفة إلا أن أحدهم يحمل جينا مصابا فيورثه لأبنائه ، قد يكون لدى أحد الأبوين زيادة أو نقص للكروموسومات أو تغيير في شكلها ، وقد يكون مركب من أكثر من عامل ( وراثي وبيئي ) هي بكل أنواعها وأسبابها تشكل معاناة حقيقية للأهل والمريض.
وأن تورث لأبنائك مرضًا ليس بالأمر الهين ، ولا تتمناه النفس ، يعدّ بداية الأمر صدمة قوية تحتاج وقتا للتقبل، ومن ثَمَّ التعامل مع طفل مريض فهو أمر لم يكن في الحسبان حدوثه ، وتكرار المرض في طفل آخر أشد مضاضة وألما للمريض ووالديه وإخوته.
الأمراض الوراثية بلاءٌ عظيم ، ليس للمرء يدٌ فيه ، معظمها لا علاج له ، داءٌ عُضال ، العلاجات تُبطئ تطوره حسب نوعه وشدته ، يعين المبتلى به إيمانه بالقضاء والقدر خيره وشره ، ذاك سبيل يهبه قوة صبر وتحمل ورضا ، مما يخفف معاناته وألمه .وفي الحديث “ما يصيب المسلم من نصبٍ ،ولا وصبٍ ولا همٍ ولا حزنٍ ولا أذى ولاغمٍ ، حتى الشوكة يشاكها ، إلا كفّر الله بها خطاياه ” وعاقبة صبره حميدة في الدنيا والآخرة فعِظم الجزاء مع عِظم البلاء ” لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في جسده أو في ماله أو في ولده حتى يلقى الله سبحانه وما عليه خطيئة ” وللمريض بشارة في حديثه عليه صلوات الله وسلامه ” يودُّ أهل العافية يوم القيامة حين يُعطى أهل البلاء الثواب لو أنّ جلودهم كانت قُرٍّضت في الدنيا بالمقاريض “
واليوم مع الأبحاث وتطور الدراسات الطبية هل من الممكن الحد والتقليل منها ؟ أعتقد من المهم أولًا رفع مستوى الوعي قدر المستطاع ، على كل شاب وشابة قبل الشروع في الارتباط أن يكونا على قدر من الفهم والإدراك للموضوع وتقبله ، ومن ثَمَّ تغيير البنية الثقافية للمجتمع ، ومن هنا كان انطلاق “برنامج الجينوم السعودي ” أكبر مشروع شبابي على مستوى الشرق الأوسط يهدف إلى نشر الوعي في كل ما يخص “الأمراض الوراثية ” افتتحه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء عام 2018لتحقيق رؤية 2030 للحد منها ، المشروع هو عمل مجموعة متكاملة من المعلومات الوراثية للإنسان موجودة في تسلسل حمضه النووي فيُنشأ له خارطة وراثية ولكل أفراد المجتمع السعودي ، سيكون لكل فرد قاعدة بيانات ضخمة من الجينوم ( جميع بيانات الخلايا التي يحتاجها الإنسان لينمو ويؤدي وظائفه ) تُساعد في فك شفرته الوراثية و تحديد المرض والجينات المسببة له ، تساهم في معرفة الأدوية المناسبة ، والعمل على تطويرها ، وفيه يتم تعزيز التعاون مع مراكز الأبحاث والمختبرات الوطنية في مختلف مناطق المملكة.
“الجينوم السعودي ” مبادرة وطنية لمشروع ريادي اجتماعي يهدف للحد من هذه الأمراض ، ومنه تطمح مملكتنا لأن تكون مركز عالمي لعلاج الأمراض الوراثية وعلم الأدوية الجيني . سيكون له دور حيوي قي تقديم الرعاية الصحية وسيُوفَّر له إمكانات هائلة لتحسين الصحة وحياة أفضل على مستوى العالم.