لو كان يعيش في زماننا أبو الطيب المتنبي الذي قال في أحد أبيات قصائده الشهيرة ( أعز مكان في الدني سرج سابح .. وخير جليس في الزمان كتاب ) ، لأستبدل كلمة ” كتاب ” ب ” جوال ” ، فالجوال في هذا الزمن خطف الجميع إلا من رحم الله ، أصبح الجميع يقضي جل وقته على الجوال بين متابعة مواقع التواصل الإجتماعي بأنواعها المختلفة وقراءة الرسائل النصية أو مشاهدة المقاطع المرسلة ، حتى بات هذا الأمر جزء من الحياة اليومية عند الكثير.
( الجوال ) يا سادة لم يقتصر أثره على النمط اليومي للشخص فحسب وإنما إمتد إلى الحياة الأسرية والحياة الإجتماعية ، فداخل البيت تجد الأب وهو جالس مع أسرته مشغول بالجوال ، والأمر ينحسب على الأم والأبناء ، ناهيك عن ما أحدثه الجوال من شرخ في العلاقات الزوجية عند البعض ، فالزوج يشتكي من إهمال الزوجة لبيتها لانشغالها الدائم بالجوال والعكس.
أما بالنسبة للمناسبات الإجتماعية التي تعد فرصة للاجتماع بين الأقارب والأحباب والأصدقاء لتجاذب الأحاديث والسؤال عن الحال والأحوال ، حضر ” الجوال ” وبقوة ، الكثيرون مشغولون بجوالاتهم ، والوقت الذي يقضونه في متابعة الجوال أكثر من الوقت الذي يتجاذبون فيه الحديث.
والتأثير السلبي للجوال إمتد إلى طرق السير ، وعلى الرغم مما نسمعه عن الكثير من الحوادث التي كان السبب الرئيسي فيها إنشغال السائق بالجوال ، إلا أن البعض لا زال يصر على تصفح جواله والإنشغال به أثناء القيادة.
وللأسف حتى في المساجد حضر داء الجوال فمجرد ما أن تنتهي الصلاة التي من المفترض أن يعقبها إستغفار وتسبيح وتهليل وأذكار ، تجد البعض ” هداهم الله ” أول ما تنتهي الصلاة يخرج جواله ويتصفح من راسله وكأنه غير ملحق ( طيب أنتظر يا حبيبنا حتى تخرج من المسجد ) !!.
وفي دلاله واضحه على خطف الجوال لعقولنا أخر ما ننام عليه الجوال ، وأول ما نصبح عليه الجوال ، وبات هذا الأمر عند الكثير أشبه بالورد اليومي.
أما الدراما الأخرى التي تتبع مسلسل الجوال الذي أحكم قبضته علينا ، تتمثل في ( النت ) ، فانقطاعه المفاجئ في المنزل ” حكاية غير ” والإنقطاع المفاجئ ل ” النت ” يفرض حركة أشبه بالانتفاضة في المنزل ، كل واحد في البيت يهرع إلى الأخر يسأله عن سبب الإنقطاع ، أما لو كان على صعيد ( تعطل ) أحد مواقع التواصل مثل الواتساب أو تويتر ، يبدأ طوفان الإتصالات بين المتوترين والمتوتسين الكل يسأل ( شغال تويتر عندكم ) ، ( شغال الواتس عندكم ).
قبل الختام.
الجوال الذي أضحى النافذة الأبرز لمواقع التواصل الإجتماعي ، خطفنا وأحكم قبضته علينا ، وصرعنا بالضربة القاضية ، وغير نمط حياتنا ، ومكابر من يقول غير ذلك.
( اللهم يا عظيم يا كريم ، لا تشغلنا بغير طاعتك ).
للتواصل مع الكاتب : kal.makkah@gmail.com