جميعنا سيندم على أخطاء إقترفها في حياته وأخطاء تكشفت بالتقادم ، ولكن ما تظنون أكثرها وقعًا على النفس وأقساها ؟ أشياء لا يعالجها المال ولا الإعتذار ولا يكفّر عنها حتى الإبتهال في محاريب الندم انهم اطفالنا .. أكبادنا تمشي على الأرض.
كيف أضعنا السنين دون أن نحقق لهم مرادهم ونتودد ونتقرب لهم ونحتويهم ؟! أصبحت كلماتهم مملة وشاقة علينا ومزعجة احيانًا ، ليس لشيء سوى أنا نريد أن نكمل نقاش ساخر على هذا التطبيق اللعين !حكاويهم البريئة تلك ، لم تعد تلاقي اذانًا صاغية ، وإن إستمعنا لهم زيفاً ، فقد نحرمهم من نظرات التفاعل والايماءات على نقاشاتهم وأسئلتهم البريئة كوجوههم الصغيرة التي تشع نورًا ونقاء.
تأتيني طفلتي (بنكتة) فكاهة باردة تلقّفتها من إحدى زميلاتها في المدرسة ، تنثرها أمامي ثم تترقب متى عساها تنتابني هستيريا الضحك مثل ما سمعتها، سرعان ما أجاملها بإبتسامة زائفة ملعونة ثم أنصحها بمغادرة غرفتي كي لا تزعجها رائحة الدخان.
أي أبٍ أنا ؟! وأي طفلة هي ستكون ؟. لن نندم على شيء أكثر من ندمنا على اطفالٍ يكبرون أمامنا دون أن نتحسس كل لحظة في حياتهم ، كل دقيقة ينمون فيها ، كل ساعة ويوم وشهر تتغير ملامحهم لا شيء أقسى من أن نحرمهم مرادهم ونضيع متعة تلمس رغباتهم أين وكيف وماذا يريدون ؟.
الأب لا يحتاج لأكثر من الإنصات ليفهم ما يريد حتى إبنه الرضيع فما بالكم بمن أصبح قاموسه يحمل بعض المفردات ؟ سيكبرون يومًا ليقولون وداعا هي سنة كونية ودورة طبيعية ولكن هل أعددنا لتلك للحظة ؟حين تفارقنا الفتاة لبيت زوجها او الإبن لبيته واسرته الجديدة.
في ذلك الوداع سنعيد شريط الذكريات هل كنا آباء حقا ؟ هل كنا أسوياء معهم ؟ هل يزعجهم فراقنا ؟
ام لا شيء يربطهم بنا عاطفيا ؟إن لم تر الدموع ولم تسمع شهقات تأتي بعيد من أعماق جوف إبنك فتأكد بأنك لم تكن على ما يرام وأن لا فرق بينك وبين أب جاهلي وأد طفلته.
نعم .. جميعكما وأد ، الفرق أن وأدك اقتصر على الروح يخبرني صديق يوماً أن له طفلة مدللة ولو لم يطل دلالها ، فقد ألهته إرتباطاته العملية ، وبات يقضي جل وقته أمام حاسوبه ، يحتسي فنجان القهوة ويطوف بين معاملات إلكترونية وينسى نفسه ،وبدأت تلك الصغيرة تتردد عليه حتى تملكها اليأس أن زياراتها تلك لا تسمن ولا تغني من جوعها العاطفي.
وحين يوم -يقول هو – دخلت لغرفتها فأجدها قد أجلست دميتها وألبستها شماغي واتكأت برأسها الصغير على حجر تلك الدمية فسألتها ” ماذا تفعلين يا صغيرتي ؟ ” فاغرورقت عيناها بالدموع وقالت : “هذا بابا انت مش بابا” وهي تشير لدميتهاا !! ذُهِلتُ وقتها وأقتربت منها لأحضنها وأقبلها لكن لم تتعاط معي وكان مشاعرها تجاهي كقالب ثلج ،عرفت وقتها أني خسرت المعركة فعدت أدراجي لأفتش عن خطة بديلة لم أنم ليلتها ، الغيت كل مواعيدي وإرتباطاتي لليوم التالي.
قضيت ليلتي بطولها أفكر كيف أضعت وحيدتي ولأجل ماذا ؟!تذكرت تلك الشهور الطويلة التي كنت لا أجاوبها وقد أنهرها أحيانا عندما أكون غارقا في عملي ، وأصرخ مناديا أمها أن تأتي لتخلصني منها وتقفل الباب سأبدأ من الغد لتضميد الجراح وسأعمل جاهدا لردم الهوة الكبيرة التي تسببت بها كيف إستبدلتني طفلتي بدمية ؟ الأمر ليس بالسهل اطلاقاً ! كيف تطرفت في تجاهلها وكيف وصل بي الحال إلى أن اخسر فلذة كبدي ؟!
أخبرت أمها بالقصة فقالت : “أخبرتك كثيرًا عن أنها تشعر بجفائك وتبكي ولكن كان ردك دائماً: الأمر لا يعدو كونه دلع أطفال .. وهذه النتيجة أمامك” في صباح اليوم التالي إستيقظت وكنت قد أخبرت أمها أن يكون اليوم هو يوم مخصص لها وبالكامل سأقضيه معها في مدينة الألعاب ولكن كان ذلك الصباح الأسود مأساوياً للغاية فقد صحينا على طفلتنا في ذمة الله محتظنة “والدها الدمية”ملتحفان بشماغي وقد غطت بطرفه فمها وكأنها كانت تقبله وتشم بقايا من رائحة والدها العاق.
توقفت بي الحياة هنا . ووجدت بعد ثلاثة أيام العزاء شيئاً في دولاب ملابسها ..ثم انهار باكياً هنا لم يستطع إكمال القصة ولم يتسن لي معرفة ما وجد ولم أقوى ايضاً على الإستماع لا شيء أقسى من أن نحرم أطفالنا رغباتهم ولا شيء أقسى من أن نجبرهم على البعد ، لإنجاز مهام دنيوية رخيصة مهما بلغت.
للتواصل مع الكاتب badmoon.on@hotmail.com