
“سبحان الذي يغيّر فيك ما لم تتوقَّع، ويحدث فيك ما لم تنتظر ويطفئ بعينيك انبهارًا ليخلق فيك نضجًا، ويُزكي بقلبك نورًا كاد أن ينطفئ، ويشرح صدرك بعد أن كان ضيقًا، ويجعلك شاكرًا حامدًا لنعمه، وقليل من عباده الشكور.”
حبَّ المعلم كمال جنبلاط للأرض دَفعهُ للتعلّق بالطبيعة، ورغبته الملحّة بالمحافظة عليها، حيث اعتبر أن الاهتمام بالأرض يؤمّن دوام الحضارة الإنسانية. وينظر المعلّم للطبيعة على أنها تمتلك رئة تتنفس، وهي ترتوي من زخم مطر الشتاء ويُدفئ قلبها نورُ الشمس، وكأنه يقول : ”في الحركة بركة، وفي الجمود كل شيء نكرة” وعُرف عن المعلّم علاقته الوطيدة مع الأرض ممزوجةً بالوحدة الجدلية، التي أرست قواعدها آراؤه الفلسفية التي بناها على فلسفة الأقدمين من أمثال هيراقليطس، وأرسطو، وفيثاغورس.
والمتصوّفين في الإسلام والمسيحية، وغيرهم فكان يدعو إلى التآلف بين الإنسان والطبيعة ويحذّر من اللعب بقوانينها، وحيث يقول : ما أكرمكِ أيتها الأرض، وما أطول أناتك ايتها الأرض ..ما أشدّ حنانك على أبنائك المنصرفين عن حقيقتهم إلى أوهامهم.. والضائعين بين ما بلغوا إليه، وما قصروا عنه.
نحن نضُجُّ وأنت تضحكين..!!
نحن نُذنبُ وأنت تكفِّرين..!!
نحن نجدّف وأنت تباركين..!!
نحن ننجِّسُ وأنتِ تقدِّسين..!!
ما أوسعَ صبركِ أيتها الأرض وما أكثر انعطافك
ما أنتِ أيتها الأرض، ومن أنتِ..؟؟
أذرةٌ من الغبار تصاعدت من بين قَدَمَي الله عندما سار من مشارق الأكوان إلى مغاربها..
أم شرارةٌ قُذفت من موقد اللانهاية..؟؟!!
من أنتِ أيتها الأرض، ومن أنا..؟؟
أنتِ أنا أيّتها الأرض..!!
أنتِ بصري وبصيرتي….
أنتٌ عاقلتي وخيالي وأحلامي..
أنتِ جوعي وعطشي….
أنتِ ألمي وسروري….
أنتِ غفلتي وانتباهي..
أنتِ الجمال في عينيَّ، والشوقُ في قلبي..
وأنتِ الخلودُ في روحي..
أنتِ أيّتها الأرض، فلو لم أكن لما كنتِ..!!
لقد تعلمنا منه الكثير الكثير، ومن هذا الكثير حبّ الأرض، والتعلّق بها، وصدقَ العلاقة معها.
ونحن اليوم نعودُ إليها، لغلالها الوافرة..
ويا ليتَ عودتنا، تكون حباً بها، وإعجاباً ووفاءً، لأنها كانت وستبقى رمزَ الحب والعطاء والوفاء.
تبقى العبرة لنتعلم درساً بل دروساً عبر التاريخ ان الأرض هي انتماء وأصالة وجذور وتاريخ.
الأرض.. هي الماضي والحاضر والمستقبل.
هي مصدر لكل عطاء، ورمز الوجود والبقاء وتستحق منا كل تضحية ووفاء، فمن ابتعد وتخلى، وضع نفسه على حبل المشنقة وتدلى.
وتذكر أرضك هي العرض والشرف والعزة والكرامة أرض التضحيات والمواقف المشرفة.
والضمير يصرخ :لا تبيعها مهما قست الظروف
ولا تنسى انها ملكك الٱن ولأبناءك من بعدك.
وأنها أرض أشرف الخلق، الأجداد والأباء..
إحتضنت عظامهم ويوماً ما ستحتضن عظامك.
كُن ذاتَك ولو على حساب ذاتِك..
سنبقى باعتزاز في هذه الأرض الكريمة الشريفة
يداً تكتب بنقاء ووفاء، شعراً وغزلاً بالأرض.
ويداً تحرثُ أرضاً، تزرعُ قمحاً لتحصد خيراً حلالاً
وبالاثنين معاً، نصلّي لرب العباد وبالرجاء.
ليبقى الأمل ليبقى لنا وطناً معافى وآمناً وسالماً.
للتواصل مع الكاتب KhaledBaraket@gmail.com