هذه قصة واقعية حدثت لأحد أصدقائي الكتَّاب، وبعدما رواها لي طلبت منه أن يكتبها في مقال له؛ إلا إنه رفض فاستأذنته في أن أكتبها في مقال فوافق؛ ولكنه اشترط علي أن لا أذكر اسمه.
وأنا هنا أقصّها عليكم كما سمعتها منه؛ يقول لا أبالغ إن قلت لك أني لا أعلم من أين أبدأ ! فحديثي أكاد أجزم أني لا أتذكر بداية قصته، ولكني سأروي لك ما أذكره؛ قبل مدة من الزمن مررت بمشكلة نفسية صعبه جداً عانيت فيها وذقت فيها من الألم والمرارة والوحشة الشيء الكثير، وبعد مرور ثلاث سنوات من التعب والبحث؛ سمعت عن مركز خاص متخصص في علاج الأمراض النفسية، فتواصلت معهم فأبلغوني أن لديهم أخصائية نفسيه وطلبت على الفور حجز جلسة لديها، فردوا علي أنه يجب علي الحضور أولا لتقييم حالتي وتشخيصها لوضع الخطة العلاجية المناسبة لحالتي؛ حينها صعقت؛ لأن مشكلتي النفسية كانت نوبات هلع ورهاب ساحة، أو ما يسمى أيضاً بالخوف من الأماكن المفتوحة؛ فالطريق ما بين منزلي و ما بين العيادة بالطبع سيكون مكانا مفتوحا وكبيرا؛ وهذا يعني عدم استطاعتي الذهاب لتلك العيادة!
ولكن تبادر لذهني أن طبيبا نفسيا قد زارني في منزلي من قبل، فاقترحت عليهم أن يسألوا الطبيب النفسي عن حالتي الصحية، ومن خلاله تستطيع الأخصائية أن تقرر استقبال حالتي من عدمها. وبعد أن درسوا طلبي هاتفوني أنهم وافقوا على أن تكون الجلسات هاتفية بما فيها الجلسة الأولى؛ حينها شعرت وكأن الدنيا لم تحملني من السعادة، وأخيرا وجدت ضالتي!
وبدأت معها مرحلة مشرقة؛ أسميتها مرحلة الانجازات، كان عمر هذه المرحلة الزمنية سنة وشهر وستة عشر يوما، كانت تجربة مليئة بالشد والجذب ما بيني وبين الاخصائية؛ تارة تشد علي وأخرى تتراخى معي، وأحيانا تضغط علي وأحيانا أخرى تُنفّس عني وفي بعض الأوقات تعاقبني وأخرى تكافئني، كانت تجربة ثرية بالإنجازات، أولها هذه المقالات التي تقرأونها من مدة ليست بالقصيرة، حيث بدأت كتابة مقالة من مائة وخمسين كلمة ثم مقال من ثلاثمائة كلمة ثم خمسمائة كلمة.
وبدأت مقالاتي تنشر في السوشيال ميديا وبعدها استقطبتني ثلاث صحف: روافد، الكفاح، هاشتاق المدينه، كما نشرت لي عدة مقالات في عدد من الصحف الأخرى على سبيل المثال لا للحصر؛ أخباريات، عيون الوطن، والصحيفة الورقية العريقة صحيفة المدينة، و لم تنتهِ الإنجازات عند هذا الحد؛ فحالتي أيضا النفسية تحسنت وكسرت حاجز الخوف من الأماكن المفتوحة؛ فخرجت لسطح المنزل بعد أن كان بالنسبة لي مكانا موحشا ثم أصبحت أخرج بالسيارة على بعد مسافة نص كيلو تقريباً عن منزلي علاوة على تنظيمي للسلوكيات الغذائية وممارسة رياضة المشي، والإنجاز الأعظم في وجهه نظري هو إقلاعي عن التدخين بشكل نهائي.
في نهاية المقال أودّ أن أقول اسمحيلي أيتها السيدة العظيمة أن أنهي هذه التجربة، ولكن ليس بالاستسلام؛ وإنما قررت أن أخوض تجربة جديدة مع مستشفى الصحة النفسية التي وفّرت لي إدارتها مشكورة طاقما كاملا من طبيب نفسي و أخصائي معرفي سلوكي وعلاج بالمجان، ومستندات لعملي كالتقارير الطبية والإجازات المرضية؛ حتى أتعافى وأعود لحياتي وعملي؛ فأنا أتألم كثيراً؛ لأن التواصل بيننا سيقلّ، ولكن أعدك إن احتجت إليك فسأتواصل معاك على الفور، وتيقني أني لن أنساك وسأذكر اسمك في إهداءات الكتب التي ساكتبها في يوم ما وسأروي تجربتي معاك لأبنائي وأحفادي إن أراد الله ذلك.
تعلمين سيدتي أن أول مقال كتبته كان بعنوان (شكراً للأخصائية النفسية) وكان أقصر مقال، ومن المفارقة أن هذا المقال الذي أودّعك فيه هو أطول مقال كتبته، اسمحيلي بهذه الكلمات الأخيرة؛ شكراً يا أختي، شكراً يا ماما، و لو كنت أستطيع تقبيل رأسك عرفانا مني لِما عملته معي من إنجازات لفعلت. وأخيرا شكرا لك بحجم السماء !
للتواصل مع الكاتب ٠٥٤٨٧٩٢٠٥٩