
(معرفة طبائع الناس).
يقول بعض السلف – رحمهم الله – (من التواضع: التكبر على المتكبرين).
إن لكل أحد تعامله الأوفق به، والأصلح له، فمنهم من تتباسط معه، وتعرف حدود ما يرضيه وما يغضبه، ومنهم من يريدك على مقاسه أو تفكيره أو ما يشتهي، لا يتحمل خلاف بعض ما هو عليه، فاعرف طبائع الناس، واستملهم بالحكمة.
عليك أن تعلم أن الحياة ليست على لون واحد، فيها السهل وفيها الصعب، فيها المؤمن الصادق، وفيها المتملق المنافق، فيها المتناقضات، فلا تصدم إن رأيت كبرا وغرورا، أو من يرفع أنفه عليك إن كنت أنت معه على سبيل التواضع، فليس ما يصدر منك يفسر دائما على محمل حسن، حتى يفسر الصلاح منك فسادا!
حصل معي موقف أذكره للعبرة، ولأنني وجدتني أخطئ كثيرا في نظرتي لبعض أمور المعاملة مع الناس والأصدقاء… الموقف هو أن أحدهم بجانبي في إحدى جلسات الليل الهادئة، سألني سؤالا عن اسم شخص، قلت له هو ذاك الذي كذا وكذا، فرفع نبرة صوته : ما اسمه؟ كان الموقف لا يستدعي رفع الصوت، لكن الطيبة الزائدة أحيانا لا تأتي إلا بالضرر عليك، فيتجرأ عليك بعضهم لما يظنونه فيك من ضعف شخصية كما يسمونها، أو ضعف تفكير، أو قلة تدبير… لما رجعت إلى المنزل؛ فكرت في الأمر، لماذا رفع صوته؟ فوصلت إلى نتيجة حتمية، وهي أنني بالتأكيد مصدر المشكلة، فلو أوقفته عند حده بحكمة ولطف وأدب؛ لما حصل ما حصل. قبلها بثلاثة أشهر تقريبا يسألني، أبدأ أجيبه، يلوي عنقه يحادث من بجانبه! سألني بعدها بقليل؛ قلت له سألتني الأولى ثم لم تدعني أكمل الإجابة حتى لويت عنقك للجانب الآخر تحادث غير من تسأله! وهذا بالطبع من قلة الأدب، وفساد الذوق عند كثير من الناس.
البعض من الناس يخبر من أمامه بمقاله وحاله عن منهجه في التعامل، فليس كل ما ترتضيه لنفسك في معاملتك؛ أرتضيه أنا، وهذه من الطرق المتحتمة على مريد السلامة سلوكها في معاملاته مع الناس والأصدقاء؛ لكي لا يحسن، ولا يثمر إحسانه إلا الحنظل!
وموقف آخر:
يتهمك البعض بالتكبر في عدم قبولك الحق، أو الاعتراف بالخطأ؛ يصرح بذلك في نقاش عام، وهذه (شخصنة)، ولا أرضاها، ولا أتقبلها، فعلى مريد النصيحة سلوك السبيل الأقوم فيها، فلا يفضح وهو ينصح، بل يختلي بالمنصوح، وبرفق يكون النصح، ولا يقبل عامة الناس النصيحة في العلن والتشهير بهم.
وكنا في نقاش محتدم، بدأ هادئا عفويا، ثم ما لبث أن أضحى محتدما مدويا، تعددت وجهات النظر، وتعددت معها طرق الرد والأخذ، والبعض صامت ويضحك مستغربا مستفهما… هو في الحقيقة غير مثمر إلا ضياع الوقت، وافتعال المشاكل، وبعث حزازات النفوس، ولكن العاقل البصير يستلهم الدروس والعبر من كل موقف في الحياة.
البعض من الناس لا يتحمل منك جملة يراها قوية عليه وليس فيها قلة أدب، لكنه يسمح لنفسه أن يتلفظ بقلة أدب! لا يسمح للآخرين التدخل بينه وبين أحد في نقاش، لكنه يسمح لنفسه!
البعض من الناس يريدك أن تعتذر، فتعتذر، ثم يظلون غير مقتنعين باعتذارك؛ لأنك في داخلك غير مقتنع – مع أن الاعتذار من شيم الرجال والكرام -، ولا دخل لأحد في نية أحد، والواجب أخذ الناس على ظواهرهم، فمن أحسن بلفظه؛ لماذا لا نقبل منه؟! البعض تسلم عليه؛ لا يرد، وهو لا يسلم – حتى بعض من يطلق عليهم “متدينون”! -.
ما زال الخلاف بين الناس قائما، لكن من الخلاف ما لا يفسد في الود قضية، ومنه ما هو مصطنع، ومعرفة مراتب الناس في تقبل النقاش أمر ضروري للعيش السليم.
وإحسانك للآخرين بدون شرط، وتقبل هفواتهم، والعفو عن زلاتهم؛ بل الدعاء لهم لا عليهم، وعدم الحقد عليهم؛ بل حب الخير لهم؛ مما يرفعك في فردوس الرحمن، ويترك لك أثرا في الحياة، وينجيك من الأهوال، ويبلغك منازل من صفى عيشهم، وامتد ودهم (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا)، فعامل الخلق في الخالق، لا في المصالح، وأحسن ولو أسيء إليك، واعرف طبائع الناس، فالناس معادن، واعرف من تصاحب، ومن تناقش، ولا تظنن الحكمة هي اللين دائما، أو النقاش مع كل أحد، أو السماع لكل أحد، وإذا أردت الراحة من الناس؛ فاعلم أنك واهم، إلا أن تعتزلهم، والمؤمن يسدد ويقارب.
للتواصل مع الكاتب @Amhtr1414