محمد يوسف الشريف
الصورة والكلمات
إنها مراحل، هكذا الحياة بجميع تفاصيلها، والثقافة على مر العصور هي صورة وكلمات مازالت حاضرة من أزمنة ساحقة في القدم، ونحن البشر عبارة عن بضع صور وسطور في شريط سينمائي لم ينته تصويره، و"الأصدق الأفضل" فقط هو الذي يبقى للأجيال المقبلة.
وإذا كان ملخص مفهوم الثقافة يتمحور حول الصورة والكلمات، فإن المضمون هو الذي يفرق بين المراحل الزمنية، وهو ما نصنعه بإيدينا أثناء فترتنا العمرية، ومنذ أن عرفت البشرية فن المسرح، وهي تجسد فترتها الزمنية وتراثها المتوارث بالكلمات لتعرضها على أكبر عدد من الجماهير لتنال الانتشار، وتحقق الهدف الذي إذا كان صادقًا ومتقنًا سينال البقاء، والتاريخ شاهد لثقافات تمتد إلى الأسر المصرية القديمة التي حفرت حضارتها بالصور والكلمات مع الألوان على الحجر ومازالت معمرة.
والصورة في مرحلتنا الحالية وما تم تقديمه من كلمات، بالمحتوى المعروض مؤخرًا بدراما رمضان ٢٠٢١، يتفق الجميع على أن هناك اختلافًا في الصورة عن الماضي القريب، وكأن فترة الثلاثينيات التي كانت السينما خلالها المصدر الثاني للدخل القومي بعد القطن عقب إنشاء أستديو مصر مع بنك مصر، قد عادت بانتشار فترة الستينيات والسبعينات، وذلك من خلال دراما هادفة بمحتوي ثقافي صادق، مع انتظار إبهار السينما في الأيام التالية، وخصوصًا بعد الإعلان عن الانتهاء من فيلم "السرب" الذي يعرض بطولات أبناء مصر بالداخل والخارج، للحفاظ على مكتسبات الوطن، وليعرف الجميع حقيقة ما يحدث دون تزوير للوقائع.
والثقافة في جميع بلاد العالم لا تأتي إلا بعد الاستقرار الاجتماعي مع النهضة الاقتصادية وتحقيق التأثير المطلوب، ولذلك تعلن الثقافة المصرية عن عودتها لدورها الفاعل من خلال الكلمة والصورة مع المضمون.
وتأكد الاستمرار على ما تقدم، عندما أعلنت المتحدة للخدمات الإعلامية من خلال شركة سينرجي عن الاستعداد لإنتاج جزء ثالث من المسلسل الوطني الوثائقي "الاختيار" والذي سيستمر في عرض بطولات رجال الشرطة المصرية للتصدي للمؤامرات المتتالية من الجماعات الإرهابية والواضحة للجميع.
كما تم الإعلان عن جزء ثان من مسلسل "هجمة مرتدة" الذي يعرض بطولات رجال المخابرات المصرية للتصدي للمؤامرات الخارجية التي تحاك ضد الوطن.
وذلك مع الاستمرار في تقديم الدراما الاجتماعية التي تجعل المشاهد يفكر ويرتبط بالأحداث، مثلما تم تقديمه بمسلسل "لعبة نيوتن"، والذي جعل الجماهير تفكر وتندمج بالقصة وتربط بين شخصيات المسلسل بالأحداث الواقعية، وهو بالفعل كذلك وخصوصًا عندما نجعل لشخصيات الأحداث رموزًا فمثلاً شخصية هنا "مني زكي" من الممكن أن نشبهها بثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، وأبنها إبراهيم الذي جاء للحياة بالخارج هو الحلم للحرية، وزوجها حازم "محمد ممدوح" يمثل المصريين الوطنيين والذي يحلم أيضًا بتحقيق الأفضل، أما مؤنس "محمد فراج" فيمثل الجماعة الإرهابية المدعومة بالمال والنفوذ والقانون من إمريكا.
وسيد رجب الذي يجسد شخصية"بدر أبو النجا" فيتشابه مع الفاسدين في أي نظام عتيق، والذي يمنع أمينة "عائشة بن أحمد" التي تمثل الخير من مساعدة هنا للحصول على الحرية.
كما أكدت أحداث المسلسل طبيعة صراع حازم ومؤنس على شرعية الزواج من "هنا" الثورة الباحثة عن الحرية والتي سرق منها الإخوان حلمها المتمثل في ابنها إبراهيم وكتبوه باسمهم.
ومما سبق يستطيع أي متابع أن يعترف بالنهضة الثقافية المصرية الحالية، والتي استطاعت في عام واحد بل شهر واحد فقط أن تعلن بكل وضوح عن عودتها لدورها الفاعل بالمجتمع.
وذلك بالطبع بعيدًا عن المسلسلات المصرية المصنوعة بالخارج، الباحثة عن الربحية باختلاق واقع غير موجود، يتم ترويجية بنجوم مصرية، ومثال علي ذلك مسلسلي "ملوك الجدعنة ولحم غزال"، واللذان لا يمثلان واقع الأحياء الشعبية في مصر، ولذلك لن يكون لهما أي ذكر بالمستقبل القريب لأنهما بكل بساطة ابتعدا عن المصداقية.
ومع كل ما سبق، وحتى نصل للعلامة الثقافية التوجيهية الكاملة في ظل الاستقرار الذي يشهده الوطن، يحب أن "نطالب ونطالب" وننتظر تقديم شخصية تمثل بطلًا مصريًا تكون قدوة للشباب ونقدمها باستمرار في السينما والتليفزيون وحتي بالألعاب الالكترونية، مع عودة شخصيات مصرية كانت تربي الأجيال منذ الصغر، مثل "بكار وبوجي وطمطم"، وذلك حتى تكتمل الصورة مع الكلمات.